ـ(119)ـ
لـه : ابسط يديك أبايعك، فو الله لئن شئت لأملأنها عليه خيلاً ورجالاً ! فأبى علي بن أبي طالب عليه السلام عليه وزجره قائلاً: "والله إنك ما أردت بهذا إلاّ الفتنة، وإنك والله طالما بغيت للإسلام شراً"(1).
وقد ذكر المؤرخون تفصيلات أخرى حول تحركات أبي سفيان، وإصرار الإمام ـ عليه السلام ـ على زجره ورده(2).
2 ـ واستمر أبو سفيان في تحركه السياسي المذكور، فدعا العباس بن عبد المطلب للضغط على الإمام علي ـ عليه السلام ـ والعباس ـ كبقية بني هاشم ـ كان موتوراً مما جرى بعد السقيفة كما نعلم، فلما حدثا علياً ـ عليه السلام ـ بإصرارهما على بيعته والدعوة لخلع أبي بكر ـ طالما أنّ الأمر في بدايته، والحكم لم يستتب بعد ـ تحدث الإمام ـ عليه السلام ـ حديثا سيبقى غرة على جبين الزمان، وقد جاء فيه:
"أيها الناس، شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة، وعرجوا عن طريق المنافرة، وضعوا تيجان المفاخرة، أفلح من نهض بجناج، أو استسلم فأراح، هذا ماء آجن، ولقمة يغص بها آكلها، ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها كالزارع بغير أرضه"(3).
3 ـ ومن الأمور الثابتة تاريخياً أنّ الفترة التي توفي فيها رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وما بعدها بقليل كانت من أخطر الفترات التي مرت بها هذه الأمة الوليدة، فقد تحرك المنافقون وأرجفوا من داخل الإطار، وظهرت بوادر الردة عن الإسلام في اليمامة واليمن وغيرها، وظهر المدعون للنبوة من أمثال: مسيلمة وسجاح والأسود العنسي (4).
وانتشرت دعوة الأول سريعاً فاستقطبت قبائل عربية عديدة، كما تحركت جيوش النصارى في شمال الجزيرة العربية، وأحدق الخطر بالأمة من كل جانب.
وفي هذه الظروف القاسية ذاتها كانت البيعة قد عقدت لأبي بكر في السقيفة، فماذا يكون موقف علي ـ عليه السلام ـ إزاء رسالة هذا وضعها، وأمة ودولة فتية هذه ظروفها ؟
بيد أنّ علياً ـ عليه السلام ـ وبنفس مترفع حريص على الإسلام ووحدة كيان الأمة وموقعها في العالم لم يستعمل هذه الأوراق عندما حزب الأمر وأنذرت الأحداث بالخطر
__________________________________
1 ـ راجع الكامل لابن الأثير (حديث السقيفة).
2 ـ المصدر نفسه.
3 ـ نهج البلاغة: 52، الخطبة (5).
4ـ اغتيل اللعين الأسود العنسي في أواخر أيام النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ راجع تاريخ الطبري 2: 468.