ـ(118)ـ
بذاتها منعطفاتٍ رئيسيّةً في مسيرة الأمّة والإسلام، ولولاها لكان للأمّة شأن آخر، ربّما يضعها في عداد الأمم البائدة الّتي تقرأ الأمم عنها في صفحات التاريخ.
أوّلاً: عليّ بن أبي طالبٍ ـ عليه السلام ـ الحامي الأوّل لكيان الأمّة:
تعرضت الأمة بعد رحيل مؤسسها رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ إلى أزمة حادة كادت أنّ تعصف بها وتنهي وجودها لولا الموقف الحكيم الذي وقفه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ، فإن هذا العبد الصالح مع شدة إيمانه بحقه بضرورة النهوض بأعباء المرجعية الفكرية والاجتماعية والسياسية بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ كما صرح بذلك مراراً:
"أما الاستبداد علينا بهذا المقام ونحن الأعلون نسباً، والأشدون برسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ نوطاً، فإنها كانت أثرة شحت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس آخرين، والحكم الله، والمعود إليه القيامة"(1).
"فو الله مازلت مدفوعاً عن حقي، مستأثراً علي منذ قبض الله نبيه ـ صلى الله عليه وآله ـ حتى يوم الناس هذا"(2).
"إني كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى أبايع، ولعمر الله لقد أردت أنّ تذم فمدحت، وأن تفضح فافتضحت ! وما على المسلم من غضاضة في أنّ يكون مظلوماً مالم يكن شاكا في دينه، ولا مر تاباً بيقينه ! وهذه حجتي إلى غيرك قصدها، ولكني أطلقت لك منها بقدر ما سنح من ذكرها" (3).
أقول: إلاّ أنّ علياً ـ عليه السلام ـ مع ذلك حين رأى المخاطر تهدد كيان الأمة من الداخل والخارج تحامل على جراحاته النازفة، وأعلن للتأريخ والأجيال موقفه الصريح من أجل حماية مستقبل المسلمين ووحدة صفوفهم. وقد عبر عن مواقفه المبدئية الصارمة تلك عبر مناسبات عديدة، نذكر طرفاً منها:
1 ـ بعد مبايعة اجتماع السقيفة لأبي بكر رضى الله عنه خليفة للمسلمين تخلف أبو سفيان ـ صخر بن حرب ـ عن بيعة الخليفة، وطفق يجول في أزقة المدينة يحرض الناس على الخليفة، وهو يقول: ما بال هذا الأمر في أقل حي من قريش ؟ ثم جاء إلى علي ـ عليه السلام ـ وقال
__________________________________
1ـ نهج البلاغة، إعداد الدكتور صبحي الصالح: 231.
2ـ نفس المصدر: 53.
3ـ المصدر نفسه: 387.