ـ(110)ـ
وفي القطب الثالث: يتحدّث بإسهاب عن كيفية استثمار الأحكام.
أمّا القطب الرابع: فيتحدّث فيه عن الاجتهاد والتقليد والترجيح. وهكذا نجد: أنه يسير بتسلسل منطقي عميق؛ ليقدّم لنا صورة منسجمة ومتكاملة عن هذا العلم الإسلاميّ الأصيل.
ولسنا نقول: إنّنا ننسجم معه في مثل هذا التخطيط، وإنّما نريد القول: بأنّ هذا التخطيط يكشف عن منطقية وشمول وعمق بشكل واضح وقد كان لهذه الروح الأصولية دورها الكبير في تمكّنه من طبع الثقافة الإسلاميّة آنذاك، بل وحتّى إلى قرون بعده بطابع أصولي أصيل.
وكما بنى علم الأصول وأقامه على أربعة دعائم فإنّنا نجده يقيم الدين وإحياءه في كتابه (إحياء علوم الدين) على أربعة شعب هي: ربع العبادات، وربع العادات، وربع المهلكات،وربع المنجيات وهكذا يسير بشكل منطقي في هذه الأرباع، مكتشفا العلاقات فيما بينها، مبدعا في الإشارة إلى الصورة المتكاملة التي يخططها الدين للحياة، وهو يقول في هذا الصدد:
(وإنّما حملني على تأسيس هذا الكتاب على أربعة أرباع أمران: أحدهما -وهو الباعث الأصلي ـ: أن هذا الترتيب في التحقيق والتفهّم كالضرورة؛ لأنّّ العلم الّذي يتوجّه به إلى الآخرة ينقسم إلى: علم المعاملة وعلم المكاشفة..، ثمّ إنّ علم المعاملة ينقسم إلى: علم ظاهر، أعني: العلم بأعمال الجوارح، والى علم باطن، أعني: العلم بأعمال القلوب.
والجاري على الجوارح: إمّا عادة، وإمّا عبادة....)(1).
وقد بلغ هذا الكتاب شأواً من العمق والحكمة، بهر به النفوس،حتّى أنّ فريد وجدي يقول في دائرة معارفه عنه بأنّه: (مصوغ في قالب من الحكمة العالية، لا يدانيه فيه كتاب سواه)(2).
وقال عنه الإمام محمّد بن يحيى: (الغزاليّ هو الشافعيّ الثاني ). وقال أسعد الميهنيّ:
__________________________________
1 ـ إحياء علوم الدين 1: 1،طبعة دار المعرفة، بيروت.
2 ـ دائرة المعارف الإسلاميّة 7: 66، طبعة دار المعرفة،بيروت.