ـ(109)ـ
وبهذا نجد: أن الفكر الأصولي يشكل أهم ركيزة للثقافة الإسلامية، موفّرا لها كلّ ما تحتاجه من عناصر الحيوية والإبداع، وخصوصا إذا كان فكرا حرّا ملتزما بكلّ ما تتطلّبه العملية الاجتهادية الحرة من ركائز.

مصداقان من الماضي والحاضر:
ولكي يكون ما ذكرناه منسجما مع الواقع التاريخي والحاضر فمن المناسب التحدّث عن بعض النماذج الأصولية والتي قدّمت أروع ثراء للثقافة الإسلامية، وقد اخترنا منها نموذجين:
أحدهما: نموذج الإمام الغزاليّ من الماضي.
والآخر: نموذج المرحوم الإمام الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر من الحاضر؛ لنكتشف من خلالهما مدى تأثير العمق الأصولي على سير الثقافة الإسلامية.

الإمام الغزاليّ في فكره الأصولي وآثاره الثقافية:
يمثّل الإمام الغزاليّ قمة الفكر الأصولي في أواخر القرن الخامس الهجري وأوائل القرن السادس.
كما يمثل كتابه (المستصفى) أروع الثمار الأصولية خلال قرون عديدة، وتتجلى فيه كل الخصائص التي ذكرناها للفكر الأصولي بشكل جيد، ويكفي أن نمرّ بسرعة على محاور هذا الكتاب ليثبت لنا ذلك.
فهو يبدأ ذاكراً: أنّ علم الأصول يدور حول أقطاب أربعة هي: الحكم، ومنبعه، وسبل الاستثمار والاستدلال، والمستدل المستنبط ويقدّم للأمر بذكر مقدمة يحصر فيها مدارك العلوم النظريّة بالحدّ والبرهان، ثمّ يذكر ما يشتمل عليه كلّ منهما من فنون؛ لينتقل إلى القطب الأوّل لعلم الأصول، وهو: الحكم، ليتحدّث عن حقيقته، وأقسامه، وأركانه، وفيما يظهر به الحكم.
أمّا القطب الثاني وهو الأدلّة: فيتعرّض فيها للأصول الأربعة: الكتاب والسنّة والإجماع والعقل، والاستصحاب، نافياً بعد ذلك كل الأدلّة الأخرى التي ادعي دلالتها.