ـ(108)ـ
فإذا ضممنا الانطلاقة المنطقية الحرة للفرد الأصولي فإنّنا سنشهد الكثير من الخصائص المناسبة فقبل كل شيء يتميز المفكر الأصولي بالموسوعية؛ لأن البحث في علم الأصول يتوقف على معرفة واسعة في مختلف العلوم؛ ذلك أنّه أساس الاجتهاد.
وقد ذكر كثير من العلماء: أن عملية الاجتهاد تتطلب الخبرة بالقواعد الفلسفية والمنطقية، والاطلاع على القرآن الكريم وعلومه، والعلم بفهرست كل ما يرتبط بالنصوص وتحقيقها، وسلامة الرواة، ومعرفة المرجحات، وكذلك الخبرة في علوم اللغة وهيئات المشتقات، وأساليب العرب البلاغية بالإضافة إلى خبرة تاريخية بالظرف الذي وردت فيه النصوص، والقرائن التي تصحب النصوص وغير ذلك (1).
ثم إنّ المفكر الأصولي يتميز أيضاً بميزة العمق؛ لأنه يدرس مسألة حساسة جداً تترك أثرها على مجمل الفقه، مما لا يقدر معه إلاّ على التعمق وسبر أغوار البحث.
والشمولية أيضا صفة أخرى طبيعية للمفكر الأصولي؛ لأنه مهما اختلفت تعاريف علم الأصول فإنها تنتهي تقريباً إلى التركيز على أنه يعني: العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الحكم الشرعي (2).
وبهذا يكون موضوعه هو: الأدلة المشتركة في الاستدلال الفقهي، ومعنى ذلك: أن العناصر المشتركة في الاستدل وفي مختلف الأبواب الفقهية هي التي تقع موقع البحث وحينئذ يغوص المفكر الأصولي في مختلف الأبواب لاكتشاف هذه العناصر المشتركة، مما يمنحه نظرة شمولية لمجمل آراء الإسلام وأحكامه في مختلف الحقول.
هذا، وأن للمفكر الأصولي بطبيعة الأمر قدرة على معرفة التطبيقات المتفاوتة للقاعدة الأصولية، وربما راح يطرح افتراضات فكرية تطبيقية لم تتحقّق بعد في صقع الوجود، وهذه القدرة تعبّر عن مرونة تساعده في استيعاب الظروف المختلفة.
__________________________________
1 ـ راجع أصول الفقه المقارن للسيّد محمّد تقي الحكيم: 571 ـ576.
2 ـ دروس في علم الأصول للامام الشهيد الصدر 1: 9، الحلقة الثالثة