ـ(107)ـ
إن الإسلام نفسه يحمل كل عناصر المرونة، ومن هذه العناصر ما أوكل تحقيقه للفهم الاجتماعي للمجتهد، وتركت منطقته فارغة ليملأها هذا على ضوء الأنوار الكاشفة التي تركها لـه الإسلام والمصالح التي تتجدد باستمرار، فتترك آثارها في تغيير الموضوعات، وبتغير المواضيع تتغير الأحكام بلا ريب وهذا يعني بطبيعة الحال: ضرورة معرفة عناصر المرونة، ودور الزمان والمكان في تنقيح المواضيع أو تغييرها.
5 ـ وأخيرا، فيجب ضمان توفر نظرة موسوعية للإسلام ككل وذلك باعتبار التخطيط المترابط في الإسلام فلا يكاد ينعزل جزء أو حكم أو مفهوم عن هذا التخطيط العام؛ لذلك فلا يتم فهم كامل لـه إلا في الإطار العام المذكور، وفهم الإطار العام يتطلب الموسوعية التي أشرنا إليها.
هذه هي متطلبات تحقيق ثقافة إسلامية أصيلة ذكرناها، ولم نتحدث عن أساليب نشرها وتعميمها، فهي لا تدخل في صميم الموضوع وإن كانت تملك دورا كبيرا من منحها الصبغة العمليّة المطلوبة.
وهنا نتعرف على خصائص الفكر الأصولي؛ لنركز عليها، ونجد مدى قدرتها على إشباع هذه الحاجة الفكرية الثقافية.

خصائص الفكر الأصولي:
وقبل أن نحاول التعرف على هذه الخصائص يجب أن نلاحظ أننا نتحدث عن الفكر الأصولي الحي الممارس المستقل، إما مطلقا أو في إطار مذهب معين فهذا وإن لم يكن يحمل تلك الخصائص بشكل معمق إلا أنه ـ على أي حال يمثل مرحلة ما من مراحل الفكر الأصولي شريطة أن يتمتع بقدرة جيدة قد تشكل ملكة يرجح بها الأقوال، ويقدر على برمجة مسيرته الاستدلالية (1).
__________________________________
1 ـ لاحظت أثناء مناقشات مجمع الفقه الإسلامي الدولي: أن سير الاستدلال هناك في كثير من موارده غير طبيعي إذ يعتمد: إما على الاستناد إلى أقوال الأئمة، أو حتى إلى المجتهدين في إطار المذاهب أو الاستناد إلى أدلة مختلفة المراتب في إطار المذاهب، أو الاستناد إلى أدلة مختلفة المراتب في سلّم الاستدلال: كالاستناد إلى بعض الأصول العملية التي تشخّص الوظيفة العمليّة فقط قبل تحقيق الأمر في الأدلة الاجتهادية التي تنظر إلى الواقع وتعمل على كشفه، وهي مقدمة ـ أصولياً ـ على تلك الأدلة العملية فيجب ضمان البرمجة الاستدلالية، والتأكد من كونها برمجة منطقية طبيعة، والحديث عن هذا مفصل لا مجال لـه هنا.