ـ(92)ـ
ثانياً: أدلة النافين:
استدل النافون للإجماع بعدة صور من الاستدلال، وسأقتصر على ذكر بعضها:
الصورة الأولى: باعتبار تحققه.
فإن الاتفاق يقتضي نقل الحكم إليهم، ونقله إلى جميع المجتهدين يستحيل عادة؛ لتباين أماكنهم وانتشارهم في أنحاء العالم، فإذا امتنع نقل الحكم إليهم يمتنع بالتالي اتفاقهم عليه.
كما أنّ الإجماع لابد لـه من سند، فإن كان قطعياً ـ فهو لا يخفى على المجتهدين لتوفر الدواعي على نقله ـ فيكون معلوماً لهم، وهو الذي يستندون إليه فلا حاجة إلى الإجماع معه. وإن كان ظنياً فتختلف الأفهام فيه، ولا يمكن الاتفاق على فهم معنى واحد منه، كما لا يمكن اتفاق كلّ الناس على اشتهاء طعام واحد في وقت واحد(1).
وقد نوقش هذا الاستدلال: بأن عدد المجتهدين لم يكن بالكثرة التي يتعذر معها معرفة آرائهم عن واحد منهم أنّه أفتى بغير ما يعتقده، بل كانوا يعلنون بصراحة عن آرائهم حتّى في مواجهة الخليفة نفسه، ومن رجع عن فتواه أعلن رجوعه مبيناً السبب في ذلك،ولذلك اشتهرت المسائل التي اتفقوا عليها، كما اشتهرت المسائل الخلافة (2).
ثم إنّ مرادهم بالقطعي: إنّ كان قطعي الثبوت والدلالة فليس مما نحن فيه؛ لأنه ليس محلاً للاجتهاد. وان أرادوا به قطعي الثبوت ظني الدلالة فإنهم إنّ عرفوه كلهم فمجرد معرفته لا تكفي، بل لابد من البحث عن مراد الشارع منه، وليس
_____________________________________
1 ـ مخاصمات المجتهدين للشويهي 2: 329.
2 ـ أصول الفقه الإسلامي لمحمد مصطفى شلبي: 171.