ـ(84)ـ
الحس، أو الخبر، أو النظر العقلي، ولا مجال للثالث في العلم بحصول الإجماع، ولا يمكن الإحساس بكلام الغير والإخبار عنه إلاّ بعد معرفته؛ لأن ذلك متعذر لكثرة المسلمين وانتشار العلماء شرقاً وغرباً، ومن أنصف علم: أنّ الشرق لا يعلمون علماء الغرب فكيف تفاصيل مذاهبهم ؟! وبعد العلم بهم كيف يعلم عقائدهم ؟ وبعد العلم بعقائدهم كيف يعلم اجتماعهم في وقت واحد؟ فلعل المثبت أثبت زمان نفي الثاني، فلما اثبت الثاني نفى المثبت.
ولو فرضنا: أنّ إنساناً طاف على العلماء في الدنيا مستكشفاً عن مذاهبهم لما حصل لـه العلم بإجماعهم لجواز رجوع أحدهم عن فتواه قبل فتوى الآخر.
وقد انتهى السيد محمّد تقي الحكيم إلى: أنّ تحصيل الإجماع بمفهومه الواسع أمر متعذر فيما عدا الضروريات الدينية أو العقلية(1).
ويتضح موقف الأصوليين من الإمامية على وفق مبناهم في الإجماع، وقد حدد هذا الموقف صاحب "المعالم" حيث قال: (والحق عندي: أنّه لا يمكن الاطلاع على الإجماع عادة في عصرنا وما ضاهاه. وأما بالنظر إلى عصر الصحابة وما يقرب منه فإن ذلك ممكن الاطلاع عليه، بل يمكن ذلك بالنظر إلى باقي الأعصار إلى الغيبة الكبرى، بل إلى ما بعدها إلى زمن السيد والشيخين) (2). وهذا ما ذهب إليه الأصفهاني والبيضاوي في منهاجه، والإمام الرازي(3).
وقد قربوا ذلك: بأن الوقوف عليه لا يتعذر في أيام الصحابة؛ لأنهم كانوا قليلين محصورين ومجتمعين في الجوار من الحرم، ومن خرج منهم بعد فتح البلاد كان معروفاً في موضعه، وبهذا الكلام رد الإمام الرازي والبيضاوي في المنهاج على أحمد بن حنبل، حيث قال: (من أدعى الإجماع فهو كاذب) (4).
___________________________________________________
1 ـ دائرة المعارف الإسلاميّة لحسن الأمين، والإجماع بقلم محمّد تقي الحكيم 3: 42.
2 ـ معالم الدين للشيخ حسن بن زيد الدين (الشهيد الثاني): 167.
3 ـ أصول الفقه لمحمد الخضري: 285.
4 ـ مخاصمات المجتهدين: 329.