ـ(83)ـ
وقد أجاب الشويهي عن ذلك بـ:
أوّلاً: بأن القاطع لا يجب نقله عادة، إذ قد يستغنى عنه نقله بحصول الإجماع الذي هو أقوى منه، وارتفاع الخلاف المحوج إلى المشهور. وأما إغناء الدليل عن الإجماع فلو سلم فغير دال على امتناع تحقق الإجماع، بل عدم فائدته في الاستدلال.
ثانياً: أنّ قيام الحجة على الشيء لا يمنع من قيام أخرى، ولا زال العلماء يستدلون على المطلب الواحد بأدلة متعددة فضلاً عن دليلين.
ثالثاً: أنّ الإجماع القاطع أقوى من الإجماع وحده، والدليل الظني قد يكون جلياً، واختلاف القرائح والأنظار إنما يمنع الاتفاق فيما يدق ويخفى مسلكه.
والحاصل: أنا نمنع كونه مثل: الإطعام الواحد في وقت واحد، فإن المجتهدين أتباع للرجحان، وهو قد يحصل لجميعهم بواسطة دليل جلي ظاهر الدلالة وإن لم يكن قطعياً، بخلاف المأكل والملبس فانهما تابعان لميل النفوس، وذلك يختلف بالنظر إلى الأشخاص لاختلافهم في الشهوة والمزاج والطمع، فلذلك يمتنع اجتماعهم عليه (1).
والحق: أنّ الإجماع ممكن في حد ذاته عقلاً، إذ لا مانع ـ بحسب العقل أو العادة ـ من جواز اطلاع كلّ مجتهد على دليل حكم يعتقده، وتتفق جميع الآراء على ذلك، ولا تحقق للإجماع سوى هذا.
ونحن نعلم: أنّ الإجماع قسمان: محصل، ومنقول.
فالمحصل: هو الذي يحصله الشخص بنفسه، وذلك بأن يطلع على آراء المجتهدين فرداً فرداً، ويجد فتواهم متطابقة، ولا شك في حجية هذا النوع من الإجماع(2).
وقد نوقش هذا الإجماع: بأن ما ليس بضروي ولا وجداني فطريق معرفته
________________________________________________
1 ـ مخاصمات المجتهديت للشويهي 2: 326.
2ـ الإجماع في التشريع الإسلامي، محمّد صادق الصدر: 97.