ـ(82)ـ
تلك الأعصار كالشيخ المفيد، والشيخ الطوسي، والسيد المرتضى فإنهم لما بعد عليهم المدى واشتدت عليهم المحنة وخفيت عليهم قرائن الأحوال وحقائق الشرع واللغة كما في صيغتي الأمر والنهي احتاجوا إلى مراعاة ما استغنى عنه قدماؤهم بمعاصرة أرباب الشريعة من مسائل الأصول، كما احتاج إليها أهل السنة قبل ذلك بالبعد عن الصحابة، وكان هناك اصطلاحات لا يدور عليها شيء فأقروها كما وضعت لـه ، ثم راعوا الأدلة فأهملوا ما قامت الحجة على بطلانه، وأثبتوا ما نطق الدليل بحجيته، وكان من ذلك: الإجماع فأثبتوه في الأدلة لقيام الحجة وإن كان بطريقٍ آخر(1).
المبحث الأول
إمكان الإجماع، وهل يمكن العلم به والاطلاع عليه
لقد نسب إلى النظام القول باستحالة تحقق الإجماع (2). ووجوه الاستحالة ترجع إلى أمور:
الأول: أنّ الاتفاق: إما عن دليل قاطع فيجب نقله عادة، وإذا لم ينقل فنعلم أنّه لم يوجد كيف ولو نقل لا غنى عن الإجماع. وإما عن دليل ظني وهو باطل؛ لأنه يمتنع الاتفاق عليه عادة؛ لاختلاف القرائح وتباين الأنظار، وذلك كاتفاقهم على أكل طعام واحد في إناء واحد، وهذا معلوم الاتفاق بالضرورة، وما ذلك إلاّ لاختلاف الدواعي.
الثاني: وإما لا عن دليل أصلاً، وهو محال، إذ من المعلوم أنّ اجتماع الجم الغفير والخلق الكثير على حكم واحد بلا مرشد ظني أو قطعي ممتنع عادة بالأولوية(3).
____________________________________________
1 ـ مخاصر المجتهدين للشويهي 2: 327.
2 ـ إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول للشوكاني: 72.
3 ـ أصول الفقه لمحمد الخضري: 284.