ـ(66)ـ
"استوى" بمعنى: التمكن التام، والاقتدار الكامل، كقول بعيث الشاعر:
قد استوى بشر على العراقِ من غير سيفٍ ودمٍ مهراقِ
يريد تمكّنه التامّ، غير أنّنا نتوخّى على الدوام تفسير القرآن بالقرآن، والاهتداء منه إليه. وقد دلّنا على معنى الاستواء: أنّ الله سبحانه قد ظهر من خلقه للسموات والأرض تمكنه التام، واقتداره الكامل على عالم الأرواح، أي: دائرة ملكه الخاص به، والمهيمنة على عالم الأجسام. ويؤيد ذلك قوله تعالى بعد هذه الآية (1): [لـه ما في السموات وما في الأرض وما تحت الثرى](2) مشيراً إلى أنّه استوى قبل كلّ شيءٍ على عالم الملكوت والأرواح، ثم تمكن بذلك من تملك عالم الناسوت والأجرام (3).
وإذا تناولنا موضوع "كشف الساق" ـ الذي قال فيه المشبهة: (ساق حقيقية شبيهة تماماً بهذه، وأشار أحدهم إلى ساقه) (4) ـ نجد الشيخ أبا جعفر القمي يقول في "رسالة اعتقاداته": الساق في قوله تعالى: "يوم يكشف عن ساق": الساق: وجه الأمر وشدته (5). ويقول الشيخ المفيد: (يريد بالساق: يوم القيامة، ينكشف فيه عن أمر شديد صعب عظيم، وهو الحساب والمداققة على الأعمال، والجزاء على الأفعال، وظهور السرائر، وانكشاف البواطن، والمداققة "والموافقة" على الحسنات والسيئات، فعبر بالساق عن الشدة، ولذلك قالت العرب فيما عبرت به عن شدة الحرب وصعوبتها: قامت الحرب بنا على ساقٍ، وقال شاعر هم سعد بن خالد:
كشف لهم عن ساقها ويدي من الشر الصراح
وبدت عقاب الموت يخفق تحتها الأجل المتاح
ومن ذلك قولهم: قد قامت السوق: إذا ازدحم أهلها واشتد أمرها بالمبايعة
______________________________________________
1 ـ طه: 5 ـ 6.
2 ـ طه: 5 ـ 6.
3 ـ الشيخ المفيد في شرح عقائد الصدوق: 223، ط. المطبعة الحيدرية، النجف (1393 هـ 1973م).
4 ـ العقيدة والشريعة في الإسلام لجولدزيهر: 109.
5ـ تصحيح الاعتقاد، للشيخ أبي جعفر القمي: 186، ط. المطبعة الحيدرية، النجف (1393 هـ 1973م).