ـ(67)ـ
والمشاورات، ووقع الجد في ذلك والاجتهاد) (1).
إنّ انطلاقة علماء المذاهب الإسلامية كانت من القرآن الكريم، والقرآن كان رائدهم فيما ذهبوا إليه، وكما قال الأنباري: (إنّ القرآن يدل على الاختلاف، فالقول بالقدر صحيح، وله أصل في الكتاب، والقول بالإجبار صحيح، وله أصل في الكتاب، فمن قال بهذا مصيب، ومن قال بهذا مصيب) (2).
وقد ساعد المجاز علماء المذاهب الكلامية قول كثير من الآراء، ويحدد ابن قتيبة جوانب المجاز فيما يلي: (الاستعارة، والتمثيل، والقلب، والتقديم، والتأخير، والحذف، والتكرار، والإخفاء، والإظهار، والتعريض، والإفصاح، والإيضاح، ومخاطبة الجميع، والجمع: خطاب الواحد، والواحد والجميع: خطاب الاثنين، والقصد بلفظ الخصوص لمعنى العموم، وبلفظ العموم لمعنى الخصوص، مع أشياء أخرى كثيرة) (3).
وإذا كان الاختلاف يخترق جميع الأمم والملل المعروفة فإن للاختلاف الذي وقع (بين المذاهب الكلامية) بنيته الأصلية المستمدة من خصوصية النص القرآني والحدث البياني. ونعني بالخصوصية هنا: ما منح النص القرآني إعجازه، وما امتاز به على سائر النصوص، فالخطاب القرآني كلام تتسع معانيه، وتتعدد وجوه الدلالة فيه.
إنه كلام لا يمكن استقصاء معانيه أو حصر دلالاته. يقول الزركشي: (معاني القرآن لا تستقصى، ولا نهاية لفهم كلام الله) (4). ولا يمكن لأحدٍ أنّ يقبض عليه أو يفوز بحقيقته. من هنا تباين التفاسير والتأويلات، واختلاف الطرق، والمذاهب، وتعدد الفرق، والمقالات(5).
__________________________________________
1 ـ شرح عقائد الصدوق، للشيخ المفيد: 187.
2 ـ تأويل مختلف الحديث، لابن قتيبة: 46، بيروت (1982م)
3 ـ تأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة: 20، ط. دار التراث بالقاهرة (1973 م).
4 ـ البرهان في علوم القرآن، للزركشي 1: 5، 9 ط. دار المعرفة، بيروت.
5 ـ راجع علي حرب، في الاختلاف مجلة منبر الحوار، ع 12: 12، بيروت (1409 هـ).