ـ(262)ـ
قول أبي الحسين البصري)(1).
هذا كلام الإمام الرازي، ولا شك أنّه رأي منصف، بل أننا نستطيع أنّ نصفه بالتسامح؛ لأنه جعل المجسم ممن تقبل روايته فما بالك بمن لا يصل مذهبه إلى القول بالتجسيم؟
ولابن حزم في ذلك كلام جيد قال: (هل نقبل نقل أهل الأهواء وروايتهم ؟ فقولنا في هذا ـ وبالله تعالى التوفيق ـ: إنّ من يشهد بقلبه ولسانه أنّه لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله وأن كلّ ماجاء به حق وأنه بريء من كلّ دين غير دين محمّد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فهو المؤمن المسلم، ونقله واجب قبوله إذا حفظ ما ينقل ما لم يمل عن إيمانه إلى كفر أو فسق، وأهل الأهواء، وأهل كلّ مقالة خالفت الحق، وأهل كلّ عمل خالف الحق مسلمون أخطأوا ما لم تقم عليهم الحجة، فلا يكدح شيء من هذا في إيمانهم ولا في عدالتهم، بل هم مأجورون على ما دانوا به من ذلك وعملوه أجراً واحداً إذا قصدوا به الخير، ولا إثم عليهم في الخطأ؛ لأن الله تعالى يقول: [وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم] (2) ونقلهم واجب قبولله كما كانوا، وكذلك شهادتهم، حتّى إذا قامت على أحد منهم الحجة في ذلك من نص قرآن أو سنة ما لم تخص ولا نسخت، فأيما تماد على التدين بخلاف الله ـ عز وجل ـ أو خلاف رسوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أو نطق بذلك فهو كافر مرتد؛ لقوله تعالى: [فلا وربك لا يؤمنون حتّى يحكموك فيما شجر بينهم] (3) الآية، وان لم يدن لذلك بقلبه ولا نطق به لسانه، لكن تمادى على العمل بخلاف القرآن والسنة فهو فاسق بعمله، مؤمن بعقله وقوله، ولا يجوز قبول نقل كافر ولا فاسق ولاشهادتيهما، قال الله تعالى: [يا أيها الّذين آمنوا إنّ جاءكم فاسق بنبأ] (4) الآية، وقد فرق بعض
______________________________
1 ـ راجع حاشية روضة الناظر المسماة (نزهة الخاطر العاطر) للشيخ عبد القادر أحمد بن مصطفى بدران الرومي ثم الدمشقي 1: 281 وما بعدها ـ طبعة المطبعة السلفية بمصر سنة 1342.
2 ـ الاحزاب: 5.
3 ـ النساء: 65.
4 ـ الحجرات: 6.