ـ(261)ـ
المتأخرين من مختلف المذاهب الإسلاميّة ـ أنّ نتخلص منه، ونسير على أساس آخر هو: أنّ ننظر من حيث السند إلى صدق الراوي وضبطه، أو كذبه وغفلته، ولا شأن لنا بكونه يرى كذا في المعارف الكلامية، أو في الأمور التي لا تتعلق بأصول الدين ما دام لا يعتقد جواز الكذب لتأييد مذهبه، ونؤيد هذا الرأي بما يأتي:
أوّلاً: أنّه لا ارتباط بين ما يعتقده الإنسان وما يتصف به من الصدق أو الكذب أو الضبط أو السهو، فكم من صادق ضابط في روايته وهو مع ذلك يعتقد شيئاً هو مخطئ فيه، وكم من مصيب فيما يعتقد ولكنه مع ذلك معروف بالكذب أو بالغفلة، ونحن مكلفون بالعمل بما ثبت عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ من أي طريق صحيح منضبط، لا من طريق معين دون سواه.
نعم، إنّ العلماء يردون رواية الكافر، وهذا ليس سببه أنهم لا يتصورون الصدق منه، أو يتصورون غلبة الكذب عليه، ولكن يتصورون فيه: أنّ عداوته للمسلمين تحمله على محاولة تضليلهم وإفساد دينهم. أما المخالف من أهل القبلة ما دام لا يرى الكذب لنصرة مذهبه جائزاً فإن المحققين من العلماء لا يرون رد روايته لمجرد خلافه، وهذا هو الإنصاف؛ لأن كلاً من المتخالفين متأول في أمر ليس من الأصول التي لا مناص من الإيمان بها، فأحدهما لا يكفر الآخر بمخالفته، فلا يكون منصفاً إلاّ إذا عذره واحترم حقه في الاجتهاد والنظر، فله أنّ يقول لصاحبه: أنت مخطئ في رأيك، وليس لـه أنّ يقول لـه أنت كاذب في روايتك لأنك مخطئ في رأيك.
قال الإمام فخر الدين الرازي: (أجمعت الأمة على أنّه لا تقبل رواية كافر: من يهودي أو نصراني إجماعاً، سواء علم من دينه الاحتراز عن الكذب أو لم يعلم، أي: لأن مخالفته في الدين تجعله عدواً للمسلم، وتجعل الشأن فيه عدم النصيحة، وعدم تحري الصدق. قال: والمخالف من أهل القبلة إذا كفرناه ـ كالمجسم وغيره ـ هل تقبل روايته أم لا ؟ والحق: أنّه إنّ كان مذبه جواز الكذب لا تقبل روايته، و إلاّ قبلناها، وهو