ـ(262)ـ
السلف بين الداعية وغير الداعية، يريد: الداعية لمذهبه، وهذا خطأ فاحش، وقول بلا برهان، ولا يخلو المخالف للحق من أنّ يكون معذوراً بأنه لم تقم عليه الحجة، أو غير معذور لأنه قامت عليه الحجة، فإن كان معذوراً فالداعية وغير الداعية سواء، كلاهما معذور مأجور، وإن كان غير معذور لأنه قد قامت عليه الحجة فالداعية وغير الداعية سواء، وكلاهما: إما كافر كما قدمنا، وإما فاسق كما وصفنا، وبالله تعالى التوفيق (1).
ويقول الطوفي الحنبلي: (إنّ المحدث إذا كان ناقداً بصيراً في فنه جاز لـه أنّ يروي عن جماعة من المتبدعة الّذين يفسقون ببدعتهم: كعباد بن يعقوب وكان غالياً في التشيع وحريز بن عثمان وكان يبغض عليا رضي الله عنه)(2).
ومما يتصل بهذا: أنّ أهل الأصول قد تكلموا في قبول التعديل والتجريح إذا لم يبين سببهما، فالتعديل لا يشترط بيان سببه استصحاباً لحال العدالة، وممن يقول بذلك: الإمامان: أحمد بن حنبل والشافعي، وفي ذلك دليل على أنّ حال المسلم محمول على العدالة الإسلاميّة ، ومذهب أبي حنيفة: أنّ مجهول الحال من المسلمين يعتبر عدلاً وتقبل روايته من حيث العدالة.
واستشهدوا لذلك: بأن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قبل شهادة الأعرابي برؤية الهلال ولم يعرف منه إلاّ الإسلام، فقد روى عكرمة، عن ابن عباس قال: جاء أعرابي إلى النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فقال: إني رأيت الهلال ـ يعني: رمضان ـ فقال: أتشهد أنّ لا إله إلاّ الله ؟ فقال: نعم (3) رواه أبو داود وغيره. وروي أيضاً عن عكرمة مرسلاً بمعناه، وقال: فأمر بلالاً فنادى في الناس أنّ يصوموا وأن يقوموا، وفي رواية النسائي، قال: "يا بلال أذن في الناس فليصوموا غداً" (4).
وأما سبب الجرح فيشترط بيانه، وممن يقول بذلك: الشافعي وأحمد في أحد
_________________________________
1 ـ الأحكام لابن حزم 4: 235.
2 ـ راجع "نزهة الخاطر" في الموضع الذي سبق ذكره.
3 ـ سنن أبي داود 2: 312.
4 ـ سنن أبي داود 2: 312.