ـ(259)ـ
وجدها ناقصة اللبن عن أمثالها يثبت لـه الخيار).
ولذلك يرد كثير من الحنفية هذا الحديث، ولا يثبتون الرد بالتصرية، ولا يوجبون رد الصاع من التمر؛ لأن هذا يخالف الأصول الفقهية في نظرهم من جهات:
1 ـ من جهة: أنّ للبن ضمن فيه بالتمر، والتمر ليس مثلياً ولا قيمياً للبن، والقاعدة: أ، ضمان المثليات يكون بمثلها، والقيميات بقيمتها.
2 ـ ومن جهة: أنّه قد حدد قدر الضمان بالصاع ولم ينظر إلى كمية اللبن، والقاعدة عندهم: أنّ الضمان إنّما يكون بقدر التالف.
3 ـ ومن جهة: أنّ اللبن ضمن فيه بالتمر مع بقائه، والقاعدة: أنّ الأعيان إنّما تضمن عند هلاكها (1).
والشيعة الإمامية يرون التصرية من قبيل التدليس وإن لم تكن عيباً، ويقولون: إذا ردها رد معها اللبن الذي احتلبه منها ولو فقد دفع مثله، ويعتمدون في ذلك على خبر آخر رواه أبو داود في سننه، وهو قوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : "من ابتاع محفلة (2) فهو بالخيار ثلاثة أيام، فإن ردها رد معها مثل أو مثلي لبنها قمحاً"(3)، وعلى هذا فقد يزيد الواجب على الصاع من التمر، وقد ينقص، وهذا الحديث الأخير هو الذي يوافق قاعدتهم في اعتبار التصرية تدليساً يوجب الرد، وفي رد اللبن أو مثله؛ لأنه ملك البائع، وحملوا الحديث الآخر ـ لو ثبت ـ على صورة ما إذا تعذر اللبن ومثله مع مساواة الصاع لقيمته.
فتحصل: أنّ فريقاً يعدّها عيباً ويثبت بها الخيار على ما جاء في الخبر الأول،
_____________________________________
1 ـ راجع: نيل الأوطار للشوكاني 5: 216 طبع المطبعة العثمانية، وأعلام الموقعين لابن قيم الجوزية 2: 125، ثم تذكرة الفقهاء للحلي الإمامي 7: 366، وفيها رأي الإمامية.
2 ـ هي المصراة، وسميت محفلة لأنه جمع فيها اللبن، ولهذا سمي اجتماع الناس محافل.
3 ـ سنن أبي داود: كتاب. البيوع 3: 268 / حديث 3446.