ـ(258)ـ
بعد يوم الجمل.
أترى عمر وعثمان ضيعا إعلام رعيتهما هذه الفريضة ؟ أترى أهل البصرة لم يحجوا أيام عمر وعثمان، ولا دخلوا المدينة، فغابت عنهم زكاة الفطرة إلى ما بعد يوم الجمل ؟ إنّ هذا لهو الضلال المبين، والكذب المتفرى، ونسبة البلاء إلى الصحابة رضوان الله عليهم، إنّ هذا الخبر ما يدخل تصحيحه في عقل سليم، وما حدث الحسن ـ والله أعلم ـ بهذا الحديث إلاّ على وجه التكذيب لـه ، لا يجوز غير ذلك (1).
ولا شك أنّ هذا نقد جيد يدل على تعمق في البحث، وطول باع.
ومن ذلك: موقف الحنفية من الحديث المعروف بحديث "المصراة" (2)، وهو ما روى عن أبي هريرة، عن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أنّه قال: "لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد فهو بخير النظرين بعد أنّ يحلبها: إنّ شاء أمسك، وإن شاء ردها وصاعاً (3).من تمر" (4).
فمقتضى هذا الحديث أنّ للمشتري أنّ يرد، وعليه في هذه الحالة أنّ يدفع للبائع صاعاً من تمرٍ، سواء كان اللبن قليلاً أم كثيراً، وأن اللبن لا يرد للبائع كأن التمر بدل منه.
وثبوت الخيار بالتصرية بين الرد والإمساك هو مذهب الجمهور، وبه قال عبدالله بن مسعود، وابن عمر، وأبو هريرة، وأنس، والشافعي، ومالك، والليث، ابن أبي ليلى، وأحمد، واسحاق، وأبو يوسف، وزفر، أخذاً بهذا الحديث.
وقال أبو حنيفة: (لا يثبت بذلك خيار، لان نقصان اللبن ليس بعيب، ولهذا لو
____________________________________
1 ـ الإحكام لابن حزم 2: 132.
2 ـ المصراة: هي الدابة التي ربط ضرعها ليجتمع اللبن فيه، من قولك: صريت الماء في الحوض ـ بتخفيف الراء المفتوحة وتشديدها إذا جمعته ـ والبائع يفعل ذلك ليوهم المشتري أنّ لبنها كثير، غشا لـه .
3 ـ الصاع مكيال قديم قدر بقدحين وثلث قدح.
4 ـ السنن الكبرى للبيهقي 5: 318 عن صحيحي البخاري ومسلم.