ـ(257)ـ
لا يعلمون فرض رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ هذه الصدقة صاعاً من تمر أو شعير، أو نصف صاع من قمح على كلّ حر أو مملوك، ذكر أو أنثى، صغير أو كبير، فلما قدم علي عليه السلام رأى رخص الشعير، قال: قد أوسع الله عليكم فلو جعلتموه صاعاً من كلّ شيء.
قال ابن حزم: وهذا الحديث قبل كلّ شيء لا يصح؛ لوجوه ظاهرة:
أولها: أنّ الكذب والتوليد والوضع فيه ظاهر كالشمس؛ لأنه لا خلاف بين احد من أهل العلم بالأخبار أنّ يوم الجمل كان لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين، ثم أقام علي عليه السلام بالبصرة في جمادى الآخرة، وخرج راجعاً إلى الكوفة في صدر رجب، وترك ابن عباس بالبصرة أميراً عليها، ولم يرجع علي بعدها إلى البصرة، هذا ما لا خلاف فيه من أحد لـه علم بالأخبار، وفي الخبر المذكور ذكر تعليم ابن عباس أهل البصرة صدقة الفطر، ثم قدم علي بعد ذلك، وهذا الكذب البحث الذي لا خفاء فيه.
ووجه ثان: أنّ الحسن لم يسمع من ابن عباس أيام ولايته البصرة شيئاً، ولا كان الحسن ـ حينئذ ـ بالبصرة، وإنما كان بالمدينة، وهذا مما لا خلاف فيه بن أحد من نقلة الحديث.
وأيضاً وجه ثالث: فإنه حديث مفتعل لا يصح؛ لأن البصرة فتحها وبناها ـ سنة أربع عشرة من الهجرة ـ عتبة بن غزوان المازني، بدري مدني، ووليها بعد المغيرة بن شعبة، وأبو موسى، وعبدالله بن عامر، وكلهم مدنيون، ونزلها من الصحابة أكثر من ثلاثمائة رجل، منهم: عمران بن الحصين، وأنس بن مالك، وهشام بن عامر، والحكم بن عمرو، وغيرهم، وفتحت أيام عمر بن الخطاب، وتداولها ولاته إلى أنّ وليها ابن عباس بعد صدر كبير من سنة ست وثلاثين من الهجرة، فلم يكن في هؤلاء من يخبرهم بزكاة الفطرة، بل ضيغوا ذلك وأهملوه، واستخفوا به أو جهلوه مدة أزيد من اثنين وعشرين عاماً وهي مدة خلافة عمر بن الخطاب وعثمان، حتّى وليهم ابن عباس