ـ(177)ـ
المذاهب المختلفة في الأبحاث الكلامية والفقهية، ولكن الموقف لا يزال في غالب منهجه يتحرك في الدائرة المذهبية الضيقة، فهناك فقه سني متميز في أصوله وفروعه وأسلوبه، وهناك فقه شيعي منفتح على القواعد الاجتهادية الشيعية في الأصول والفروع والمنهج، الأمر الذي يؤكد الفواصل بين المذهبين في المضمون والشكل بحيث يؤدي إلى منهج نفسي يوحي بالانفصال الحاد في الذهنية المذهبية بالطريقة التي تمنع اللقاء.
إنّ رسالة التقريب في خط الوحدة ـ فيما نتصور ـ هي: في إيجاد فقه مختلط يؤكد فيه الفقهاء من هنا وهناك بالبحث الأصولي الذي يرتكز عليه الاجتهاد على الأسس المشتركة التي يتفق عليها الجميع في قواعد الأدلة ومصادر الشريعة بحيث ينطلق الحديث فيه بالأسلوب الإسلامي الذي يستنطق هذا المصدر أو ذاك المصدر من دون عقدة ذاتية أوصفة مذهبية.
فإذا انطلقنا من كتاب الله ـ كمصدر أساسي للتشريع ـ فإن علينا أنّ ندرسه في نصوصه وظواهره، ومحكمه ومتشابهة، وعمومه وخصوصه، وإطلاقه وتقييده، وناسخه ومنسوخه بالذهنية العلمية المجردة الخاضعة للفهم العام الشامل الذي يستنطق كلّ المذاهب كوجهات نظر متنوعة في المسألة الأصولية بعيداً عن حساسية الخصوصية التي قد تثير التعصب لهذا الدليل أو ذاك باعتبار أنّه مرتبط بهذا المذهب أو ذاك؛ لأن علماء المذهب يؤكدونه، فلابد من الدفاع عنه بأي وجه كان، أو لأن قواعد المذهب تتبناه، فلابد من إتمامه بأية طريقة كانت مما يبعد البحث العلمي عن الموضوعية ويدفع بالنتائج بعيداً عن التوازن.
ولنقدم القياس كنموذج لهذا المنهج، فإن الفقهاء الّذين قبلوه والذين رفضوه لم ينطلقوا في هذا الرأي أو ذاك من منطق مذهبي حاد في المسألة الذاتية، بل انطلقوا في الرفض في دائرة التنوع المذهبي، فهناك الرافضون لـه من أهل السنة: كأتباع المذهب الظاهري إلى جانب الرافض لـه من جمهور الشيعة، كما أنّ القبول به يلتقي