ـ(176)ـ
يختزنون في داخلهم معية المذهب في اجتهاده، مع العلم أنّ أية حالة اجتهادية في أي مضمون فكري في أي جانب من جوانب الخلاف الكلامي والفقهي لابد أنّ تكون خاضعة للجدل الدائم؛ باعتبار أنها قابلة لاحتمالات الخطأ والصواب بحسب طبيعتها الذاتية أو الموضوعية. وفي ضوء ذلك فإن حركة التقريب لم تنجح في تغيير ملامح الشخصية المذهبية المتحجرة في الأسوار التي يضعها المجتمع في الدائرة الخاصة في داخل هذا المذهب أو ذاك، في الوقت الذي استطاعت أنّ تنجح في تحطيم الجمود النفسي في انفتاح البحث على المذهب الآخر في الأسلوب المتعارف في الكلام والأصول والفقه وفي تفسير القرآن، فنحن نرى أنّ المنهج العلمي الإسلامي بدأ يأخذ الاتجاه الموضوعي في دراسة المذاهب التنوعة، بفعل أجواء التقريب التي أعطت الواقع الإسلامي الثقافي مناخاً جديداً في الواقع النفسي والاجتهادي، كما أنّ المناهج الحديثة للبحث قد ساعدت على ذلك، فقد انطلقت المناهج السليمة المرتكزة على الطريقة الموضوعية في البحث في مختلف فنون العلم، بحيث أصبح المنهاج الذاتي يمثل عملاً غير علمي في حركة النقد العلمي.
وإذا كنا نتحدث عن التحجر في الشخصية المذهبية لعلماء المذاهب ومثقفيهم فإننا نتحدث عن المسألة في حجم الظاهرة الاجتماعية العامة، لكننا لا ننكر وجود أفراد هنا وهناك ممن يملكون حرية الفكر وعقلانية البحث، ومسؤولية الموقف في الانتماء الذي لا يعيشه الإنسان كحالة ذاتية جامدة، بل يعيشه كحالة فكرية متحركة صالحة للتفسير؛ لأن المناخ العلمي العام قد استطاع أنّ يلعب دوراً فاعلاً في هذا الاتجاه، بالإضافة إلى مناخ التقريب كما ألمحنا إلى ذلك آنفاً.
توسيع حركة العلم وفق الأدلة الشرعية:
إننا نحاول ـ في هذه التأملات السريعة ـ أنّ نشير إلى نقطة حيوية جداً، وهي: أنّ التقريب قد استطاع أنّ ينجح في إيجاد نوع من التفاهم على أساس عرض