ـ(175)ـ
حركة الفكر وعقلانية التحرك:
إننا نتصور القيمة الإسلاميّة في حركة التقريب هي: في اعتبارها الطريق العقلاني القويم في الوصول إلى الوحدة بين المسلمين في تركيزها الخلاف على قاعدة من التفكير المنفتح على أكثر من موقع للمذهبية، وتحويل المذهبية الطائفية التي تختنق في داخل مشاعرها المتوترة وأفكارها الضيقة إلى مذهبية فكرية واعية تنفتح على الفكر الآخر في المذهب الآخر؛ ليقف أصحاب المذاهب المتنوعة في إخلاصهم لمذاهبهم في خط الالتزام الذي يحول الفكرة إلى حالة وعي في الموقف، بدلا من أنّ تكون حالة عقدة في الذات، لا في خط العصب الذي يختنق فيه الانتماء في الداخل فلا يتنفس أجواء الفكر.
إننا لا نزال في مواقفنا الجامدة التي يتعقد فيها كلّ مجتمع مذهبي من أي شخص يحاول تفسير مذهب فرد من أفراده للانتقال إلى المذهب الآخر كما لو كان مماثلاً لتغيير دينه.. وهكذا تكون النتيجة: المزيد من القسوة في الموقف السلبي للشخص الذي يخضع لهذا التغيير في ذاته. فنلاحظ في هذا الجو: أنّ المسلمين السنة يواجهون الناشطين في خط الوحدة الإسلاميّة من الشيعة بأنهم يريدون إدخال السنة في التشيع، كما أنّ المسلمين الشيعة يتخذون الموقف نفسه من السائرين في هذا الاتجاه ـ الوحدة ـ من أهل السنة بأنهم يريدون إدخال الشيعة في دائرة التسنن، مما يعني: أنّ التشيع والتسنن قد تحولا إلى حالتين في التنظيم الاجتماعي الطائفي، بدلاً من أنّ تكون حالتين فكريتين في فهم الإسلام.
وربما نجد النظرة السلبية ذاتها، فما يمكن أنّ يلتزمه العالم الشيعي لبعض الآراء الشيعية في الفقه أو الكلام في المجتمع العلمي الشيعي، فيما يمكن أنّ يلتزمه عالم سني لبعض الآراء الشيعية في المجتمع العلمي السني كما لو كان ذلك يمثل حالة انحرافية في المذهب؛ لأنه تحول إلى حالة محنطة لا حركية فيها ولا حيوية في عالم التغيير الفكري، فلا ينظر إلى ما يملكه من الحجة على رأيه الجديد؛ لأن الجميع