ـ(171)ـ
وتجاوز بعضهم كلّ الحدود في موقفه، فأضحى لديه النقد العلمي للاستشراق الذي انجزه الباحث الفلسطيني المغترب "إدوارد سعيد" ـ مثلا ـ ليس إلاّ (استشراقاً معكوساً) (1)، أو (الإيحاء الصريح بأن إدوراد سعيد عميل للمخابرات الأمريكية)؛ لأنه (يقدم نصائحه إلى صانعي السياسة الأمريكية وخبرائهم واختصاصييهم حول أفضل أفضل الأساليب لتمتين الأسس التي يمكن أنّ تستند إليها التوظيفات الأمريكية في الشرق الأوسط، وأفضل الطرق لتحسين شروط علاقة التبعية المذكورة...)(2)، كما يقول صادق جلال العظم الذي تميز من بين كلّ الكتاب المتغر بين بخطابه التحريضي العنيف ضد الإسلام والشرق، وبانحيازه السافر في مخاصمة آية محاولة للدفاع عن التراث الشرقي، حتّى لو صدرت عن باحث غير مسلم، وبالعكس، أي: تبنيه الدفاع عن أي عمل عدواني ضد تراث الإسلام ونبيه الكريم صلى الله عليه وآله ، كما تمثل في كتابه الأخير الذي يدافع فيه عن المرتد سلمان رشدي، ويدعو لحماية أفكاره، ويدين المواقف الناقدة لـه ، ويهزأ بها(3).
___
تلك لمحة خاطفة عن جذور الصراع الحضاري بين الغرب والآخر، ارتسمت لنا فيها بعض أبعاد المواجهة الحضارية وامتداداتها بين الإسلام من جهة، والغرب من جهة أخرى، وهي: مواجهة بدأت ضارية منذ اغتيال الأندلس، ومازالت ضارية كما تلوح في "البوسنة والهرسك" وغيرها، وستتواصل كذلك مادام الغرب محكوماً بالموقف العدواني من الحضارات الأخرى، والحضارة الإسلاميّة بالذات.
ولكن الإسلام ـ وعلى مدى صراعه مع الغرب ـ تترس بعناصر المقاومة الذاتية
___________________________________
1 ـ لا حظ: العظم، د. صادق جلال. "الاستشراق والاستشراق معكوساً" الحياة الجديدة (بيروت) س 1: ع 3 (1 ـ 2/ 1981 م).
2 ـ ن. م، ص 27.
3 ـ لاحظ: العظم، د. صادق جلال. ذهنية التحريم: سلمان رشدي وحقيقة الأدب. لندن: رياض الريس للكتب والنشر، ط 1، 1992م.