ـ(167)ـ
تكن مهمته أقل هجومية من أنّ يصوغ مصر في الفرنسية الحديثة (1).
وقد أكد عالم الاجتماع الأمريكي "أرنولد جرين" بأنه (إذا كانت حكومة الولايات المتحدة ترغب في إقامة روابط سياسية واقتصادية وثيقة مع بلدان شعوب العالم بأسره فإن علينا ـ ويقصد: علماء الاجتماع ـ أنّ نعرف أكثر ما نعرفه عن هذه البلدان وعن شعوبها: ما هي ثقافتهم ؟ وما هي اتجاهاتهم السائدة نحو الولايات المتحدة ونحو النمو التكنولوجي ؟ وما هي معتقداتهم وانحيازاتهم التي يمكن التعرف عليها والإفادة منها لجذبهم إلى فلك نفوذنا ؟ وما هي الأبنية الاجتماعية الطبقية السائدة ومراكز القيادة ؟ ومن هم هؤلاء الّذين نحتاج تعاونهم أشد الاحتياج قبل الشروع في تنفيذ مختلف البرامج ؟ وبعد البدء في هذه البرامج فإن علينا أنّ نواصل جمع الإجابات على هذه الأسئلة جميعها بحرص والتأكد منها) (2).
لقد سخر الإنسان الغربي كافة الأدوات المعرفية في العلوم الإنسانية ـ فضلاً عن التكنولوجيا ـ من أجل إخضاع المجتمعات الأخرى لنفوذه، وتكريس وتعميق المشكلات والتداعيات الحياتية التي كانت تعاني منها تلك المجتمعات، فخرجت تلك العلوم عن حيادها العلمي، وأضحى علماء الاجتماع و"الأنثروبولوجيا" مستشارين للمؤسسة العسكرية. فتحالفت الأكاديميات العلمية مع الجيش، وباتت هذه الأكاديميات بمثابة مراكز التعبئة والإسناد العلمي لو زارات الدفاع والمخابرات، وربما كانت وظيفتها أهم من هذه الوزارات في إجهاض وتفتيت الثورات وحركات المقاومة في البلاد السمتعمرة، وعلى حد تعبير الباحثة "مادلين جرافيتس": (يمكن أنّ نلخص السياسة الأمريكية الخارجية في جملة وردت في إحدى المقابلات لـ "ج. دبيرمان" يقول فيها: لقد كان الحل السابق لمنع الثورة هو: عشرة عساكر لكل محارب مغوار.
_________________________________
1 ـ سعيد، إدوارد. الاستشراق: المعرفة، السلطة، الإنشاء، ترجمة: كمال أبو ديب. ط 2: بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، 1984 م،: 110.
2ـ أوسيبوف، ج. قضايا علم الاجتماع: دراسة نقدية لعلم الاجتماع الرأسمالي. ترجمة: سمير نعيم، وأحمد فرج، القاهرة: دار المعارف، 1970 م،: 62.