ـ(166)ـ
ولما جاؤا معرة النعمان قتلوا جميع من كان فيها من المسلمين اللاجئين إلى الجوامع، والمختبئين في السراديب، وأهلكوا صبراً ما يزيد على مائة ألف إنسان في أكثر الروايات، وكانت المعرة من أعظم مدن الشام، وافاها سكان الأطراف بعد سقوط أنطاكية وكانوا يعتصمون فيها (1). وكان الصليبيون قد ذبحوا في أنطاكية في الطريق أكثر من مائة ألف مسلم (2).
ويعترف ريمون داجيل ـ مؤرخ الحملة الصليبية ومرافقها ـ في سرده للوقائع بأنه: لم يستطع أنّ يشق طريقه وسط أشلاء المسلمين إلاّ في صعوبة بالغة، وأن دماء القتلى بلغت ركبتيه (3).

دور الاستشراق والعلوم الإنسانية في الهيمنة الاستعمارية:
لقد ولدت الدراسات الإنسانية الحديثة في أحضان غارات النهب والسطو التي قام بها الغرب على العالم الآخر. فحملة نابليون على مصر (1798 ـ 1801م) كان يرافقها (150) عالماً منهم: علماء متخصصون في دراسة الثقافات، وكانت في أيديهم أوراقهم، وهذا الاتصال الأول بين أوروبا ـ رائدة الاستعمار ـ وآسيا وأفريقيا ـ المستعمرتين ـ كان حجر الأساس في دراسة ثقافات المجتمعات في هاتين القارتين(4).
وكان معهد مصر ـ بفرق الكيميائيين، والمؤرخين، وعلماء الحياة، وعلماء الآثار فيه، وبجراحيه، ودارسي العصور الغابرة فيه ـ اللهواء المتفقه من ألوية الجيش ولم
____________________________________________
1 ـ شيخ الأرض، تيسير. "على هامش الصراع الوروبي الإسلامي". الفكر العربي. س 5: ع 31 (3/1983م) ص 113.
2 ـ جريشة، د.علي محمّد، ومحمد شريف الزيبق. أساليب الغزو الفكري للعالم الإسلامي. ط 1: القاهرة: دار الاعتصام، 1407 هـ ـ 1977 م، ص 16.
3 ـ عاشور، سعيد عبد الفتاح. الحركة الصليبية. القاهرة: مكتبة الإنجلو المصرية، 1971 م، ج 1: ص 245.
4 ـ أحمد، د. أكبر. س. نحو علم الإنسان الإسلامي. ترجمة: عبد الغني خلف الله. ط 1 واشنطن: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1410 هـ ـ 1990 م، ص 42.