ـ(157)ـ
من خلال الأرقام والوثائق فلا بد من سوق بعض الأرقام والوثائق التاريخية حول هذه القضية بأبعادها المختلفة وهنا بعض الوثائق حول هذه العملية:
روى محمّد بن حبيب في أماليه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : "أذكر وأنا غلام ابن سبع سنين، وقد بنى ابن جذعان داراً لـه بمكة، فجئت مع الغلمان نأخذ التراب والمدر في حجورنا فننقله، فملأت حجري تراباً، فسمعت نداء من فوق رأسي: يا محمّد، أرخ إزارك، فجعلت أرفع رأسي فلا أرى شيئاً، إلاّ أني أسمع الصوت، فتماسكت لم أرخه، فكأن إنسانا ضربني على ظهري فخررت لوجهي، وانحل إزاري وسقط التراب إلى الأرض، فقمت إلى دار أبي طالب عمي ولم أعد"(1).
ثانياً: تعبئة النبي صلى الله عليه وآله تعبئة روحية وفكرية من قبل الله عز وجل، وتزويده بكل الإمكانات المطلوبة لمهمته الآنية والمستقبلية. وإذا صح أنّ تتسم الحالة الأولى بالسلب فإن الحالة الثانية تستبطن الفعل الإيجابي؛ لأن العملية الأولى تتسم بالتدخل للمنع والحيلولة دون التأثر بالواقع. والثانية تتسم بالفيض والإمداد والإعطاء لبناء الشخصية المحمدية ـ كما يشاء الله عز وجل ـ للنهوض بدورها المرسوم من قبل الله عز وجل.
وهذه العملية التعبوية التي تتم بإرادة الله تعالى وفيضه المبارك على عبده ورسوله المختار صلى الله عليه وآله قد أكدتها جملة من الوثائق التاريخية الصحيحة نذكر منها ما يلي:
1 ـ ففي حديث للإمام علي عليه السلام حول الإعداد الإلهي للنبي صلى الله عليه وآله يقول: "ولقد قرن الله به من لدن أنّ كان فطيماً ـ أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره، ولقد كنت أتبعه إتباع الفصيل اثر أمه، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به" (2).
______________________________
1 ـ بحار الأنوار للعلامة المجلسي 15: 363.
2 ـ نهج البلاغة: خطبة فضل الوحي.