ـ(156)ـ
سيرة النبي في تلك المرحلة ودراستها بعقل مفتوح من حيث السند والمتن، وفرز غثها من سمينها، وصحيحها من سقيمها ـ وهو أمر ميسور جداً ـ يجعل الدارس يقطع بأن النبي صلى الله عليه وآله كان يخضع لعملية إعداد إلهي خاص "من لدن أنّ كان قطيماً"(1)، وكان يصنع على عين الله تعالى لينهض بأعباء أكبر عملية تغيير حضاري في دنيا الإنسان على الإطلاق، وليحمل أكبر رسالة إلهية عرفها تاريخ الوجود.
ومن خلال المعلومات المتوفرة لدينا يتضح: أنّ النبي صلى الله عليه وآله تعرض إلى نمط من الإعداد الرباني تشكلت عنه شخصيته المميزة، بيد أنّ هذا المنهج يلوح منه خطان يكمل أحدهما الآخر:
أوّلاً: سد منافذ تأثير المحيط الاجتماعي والثقافي بشخصية النبي، وعزله عن التلقي من واقعه المعاش، وقد حصن الرب ـ جل وعلا ـ كيان النبي الروحي والفكري منذ طفولته؛ ليكون في منأى عن أي فكر معاصر لـه أو سلوك أو موقف يخالف نهج الله عز وجل.
فرغم أنّ النبي صلى الله عليه وآله كان يمارس حياته العادية في المجتمع الذي عاش فيه ـ حيث شارك في الحياة الاجتماعية العادية، ومارس التجارة، وسافر، وباشر كثيراً من الأمور التي تفرضها الحياة الطبيعية العادية ـ إلاّ أنّه كان محصناً عن التأثر بأي نمط يخالف شرع الله عز وجل، وهو معنى مبحث العلماء والكلاميين حول الشريعة التي كان يتعبد بها النبي قبل بعثته بالرسالة الخاتمة.. وما في ذلك من تفصيلات ورؤى واضحة حول كونه يتعبد بشريعته هو دون سواها(2).
وإذ نحن بصدد الحديث حول قضية الإعداد الرباني المخطط لشخصية النبي
__________________________
1 ـ فقرة من خطبة فضل الوحي لأمير المؤمنين علي ـ عليه السلام ـ المتقدمة آنفاً.
2 ـ انظر حق اليقين في معرفة أصول الدين: 135 للمرحوم السيد عبدالله سبر، وغيره من كتب العقائد.