ـ(155)ـ
الأبحاث التاريخية ومسالة الأعداد الإلهي لشخصيته صلى الله عليه وآله
إنّ من أهم الأحداث التاريخية التي لم تحظ باهتمام ذي بال في دراسة السيرة لدى المتأخرين: قضية الإعداد الإلهي لرسول الله صلى الله عليه وآله والتي تعتبر من الأحداث المهمة في سيرة النبي الخاتم في السنوات التي سبقت بعثته بالرسالة الخاتمة. فرغم أهمية هذه المسألة من الوجهة التاريخية من حيث دراسة التطورات التي رافقت حياته صلى الله عليه وآله منذ طفولته حتّى نزول أول سورة عليه من القرآن الكريم والتي تؤذن بابتعاثه رسولاً يدعو الناس إلى الله ـ عز وجل ـ فإنها ذات قيمة حضارية في دنيا المسلمين ومسيرتهم الحياتية، خصوصاً فيما تلقيه من ظلال عقائدية ذات أهمية بالغة على قناعاتهم ورؤاهم العقلية. ولذا، فإن الثغرات الواسعة في فهم هذه القضية أنتج ارتباكاً كثيراً في الدراسات العقائدية وأبحاث السنن لدى قطاعات من المسلمين، حتّى أنّ البعض من الباحثين في السيرة والعقائد صور الرسول صلى الله عليه وآله كما لو كان إنساناً عاديا كمعاصريه وإن تميز في بعض الخصائص الأخلاقية المقبولة، لذا اقتنع هذا الفريق بإمكانية ارتكاب النبي للكبائر من الآثام قبل البعثة(1) والعياذ بالله تعالى، بينما "يتسامح" البعض الآخر، فيجيز ارتكاب النبي لصغائر الذنوب دون كبائرها قبل بعثته بالرسالة الخاتمة. على أنّ خطأ مميزاً من المسلمين يعتقد أنّ النبي لا يرتكب كبيرة ولا صغيرة قط قبل بعثته بالرسالة؛ بالنظر لخضوعه لحالة خاصة من التبني الإلهي المميز لشخصيته المباركة.
إنّ هذا التناقض في التصور عن النبي قبل البعثة ـ ناهيك عما بعدها ـ ناتج عن تناقض المعلومات والأخبار الواردة عن سيرته قبل البعثة بالرسالة المباركة وكيفية التعامل معها، إلاّ أنّ جمع المعلومات والأخبار ـ وهي كثيرة جداً ـ التي تظافرت عن
___________________________
1 ـ أوائل المقالات: للشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (المفيد).