ـ(154)ـ
ويعود السبب في إهمال الكثير من الأحداث المركزية التي عاشها النبي صلى الله عليه وآله كالأحداث التي ساهمت في تشكيل الشخصية النبوية، أو الشك فيها، أو تشويهها ـ إذا أسدلنا الستار على الخبث واللؤم ـ إلى عدم التشبع بالروح التي تدرك بها حوادث التاريخ الإسلامي. حوادث أي تاريخ إنساني تصطبغ بروحية خاصة في حركتها الواقعية وآثرها، فالأحداث التي تتشكل في دورة تاريخية تظللها الوثنية لابد أنّ تحمل آثار الوثنية المادية وطابعها وخصائصها، والأحداث التي يظلها الوحي الإلهي والإشراف الرباني لها خصائص وروحية بعيدة عن فهم الماديين الحسيين، الأمر الذي يضيع على المؤرخ المادي فرصا كثيرة لفهم كثير من الحقائق التي يحاول أنّ يصفها بأنها غيبية على أقل تقدير لا تقع تحت طائلة البحث ! هذا إذا لم يشكك بها ويشوهها. وإذا وضعنا في الحساب أنّ السيرة النبوية المطهرة تنطوي على نسبة عاليةٍ جداً من الظواهر ذات العلاقة بعالم الغيب: كقضايا الوحي، وطبيعة نزول القرآن الكريم، وتدخل الملائكة في بعض المعارك لصالح الجبهة الإسلاميّة ، وطريقة إعداد النبي إعداداً روحياً خاصاً وحل كثير من المشاكل الروحية والفكرية والاجتماعية من خلال التدخل الإلهي وما إلى ذلك..
أقول: إذا وضعنا في حسابنا حجم الظواهر ذات العلاقة بعالم الغيب لرأينا أنّ إهمالها أو التشكيك فيها أو تشويهها سيؤدي إلى خسارة حضارية وعلمية هائلة !
وإذا أضفنا إلى ذلك: بأن اتجاه المستشرقين في دراسة السيرة والتاريخ الإسلامي عموماً هو الذي يحتل مواقع الإلهام في الدراسات التاريخية المعاصرة في العالم الإسلامي عموماً أدركنا عمق الخسارة التي يتعرض لها المسلمون بسبب هذا الاتجاه المتعسف الذي يسود الدراسات في الجامعات، والمراحل الدراسية التي تسبقها، فضلاً عن الأبحاث التي تشهدها المكتبة في العالم الإسلامي عموماً.