ـ(153)ـ
إتباع الفصيل أثر أمه يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد ـ يومئذ ـ في الإسلام غير رسول الله صلى الله عليه وآله وخديجة وأنا ثالثهما. أرى نور الوحي والرسالة، واشم ريح النبوة" (1).
ومع أهمية تلك الأحداث والظواهر التي مرت على النبي صلى الله عليه وآله خلال السنوات الأربعين الأولى من عمره الشريف ـ وهي تشكل في المساحة الزمنية ثلثي عمر النبي صلى الله عليه وآله إلاّ أنها لم تنل من الدراسة والاهتمام ما يناسب، رغم كثرة المعلومات والوثائق التي حفظها القرآن الكريم والحديث والتاريخ حول هذه الفترة الزمنية الطويلة نسبياً من سيرة النبي صلى الله عليه وآله .
والحق نقول: إنّ بعض ظواهر سيرة النبي صلى الله عليه وآله التي جرت منذ طفولته حتّى بلغ الأربعين من عمره قد حظيت باهتمام بالغ من قبل المؤرخين، ولكن مساحة هذه الظواهر تكاد تكون محدودة جداً بالنسبة لطول الفترة الزمنية المذكورة، وما جرى فيها من أحداث غاية في الأهمية، حيث شكلت شخصية النبي وصنعت على عين الله تعالى.
وهنا لا أريد أنّ أبخس الأبحاث والدراسات المذكورة حقها، إلاّ أني أريد أنّ أشير إلى إهمالها لموضوعات عظيمة يتعلق بعضها بتشكيل شخصية رسول الله صلى الله عليه وآله وبمسيرة الكثير من أحداث الصدر الأول من تاريخنا مما يحاول البعض إسدال الستار عليها، أو التعامل بشك معها لقصور فهمه لها.
وقد لعب المستشرقون دوراً سيئاً في التعامل مع الكثير من ظواهر الحياة النبوية المحمدية، من حيث الإهمال أو الشك أو التفسير المتعسف لها، وقلدهم في ذلك تلاميذهم في العالم الإسلامي.
__________________________
1 ـ نهج البلاغة: خطبة "فضل الوحي" ضبط الدكتور صبحي الصالح: 300.