ـ(147)ـ
من وحدتكم، فكونوا على حذر، لا تسمحوا لبروز الخلافات بينكم، حاذروا من الأمور الموجبة لها والتي يستطيع الأعداء أنّ يجعلوا منها مستنداً لزرع الفرقة...)(1).
إنّ المسلمين اليوم بأمس الحاجة إلى الوحدة، إذ أنّ وضعهم وسيرتهم تكون أخطر وأدق مما كانوا عليه زمان الصحابة والتابعين وتابعيهم الأوائل، إذ كلهم يعلمون أنّ سياسة أعداء الإسلام في هذا الزمان غير سياستهم في تلك الأزمنة؛ وذلك لأن سياستهم لا تقوم في زماننا على المعاهدة والمفاوضة والاتفاق والحب والبغض والصدق والكذب، بل تقوم على القوة للاستيلاء على ثروات المسلمين، وأن سياستهم لا تعتمد على أسس ثابتة ولا على منطق سليم، بل تتلون وتتغير وتتبدل حسب مصالحها ومطامعها وتتكيف حسب رغباتها، ولا تتبع القوانين، وإنما تتبع مصالحها الخاصة، ورأى المسلمون أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تهتم بسياسة المواقع الاستراتيجية لرفع مستوى بلادها في جميع ميادين الحياة، وأنها قد كرست جهودها على إيجاد الثغرات والفتن والويلات في البلاد المتحررة التي لا تخضع لسياستها، ولذا فقدت كثير من البلدان الاستقرار، وسادتهم الاضطرابات، وليس عندهم رأفة ولا يعرفون الرحمة، ولا يؤمنون بمصالح الشعوب والإنسانية وهم يدعون تقرير حقوق الإنسان في قوانينهم، ولكن لا يجف قلمهم حتّى يسعوا لجعل عدة من الدول معرضة للأخطار والدمار في صميم أوطانهم، وطرد مئات الآلاف من بني الإنسان من ديارهم، ليكونوا فريسة الجوع والجهل والمرض، ومحرومين من الحرية والاستقلال وهم يدعون أنهم ضد التمييز العنصري والطائفي، ولكنهم يسدون آذانهم تجاه فلسطين وشمال أفريقيا وجنوبها والبوسنة والهرسك وكشمير وأفغانستان وجميع الزنوج والمسلمين في آفاق العالم، كأن هؤلاء ليسوا من بني الإنسان الّذين ولدتهم أمهاتهم أحراراً، وهم يدعون حرمة القتل والحرق والتدمير، ويتوعدون المخالفين لذلك بأشد أنواع الجزاء، ولكن يخالفون في
____________________________________
1 ـ مجلة الراصد العدد 15. تصدر عن المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلاميّة ـ بيروت.