ـ(141)ـ
والحنفية والشافعية والحنبلية وغيرهم، للأخبار المروية في تفسير الاستطاعة بأنها القوة في البدن واليسار في المال أو أنها الزاد والراحلة وتخلية السرب والرجوع إلى الكفاية.
ومثال ثالث: لم يختلف أحد من علماء المذاهب الإسلاميّة بأن الموسيقى الغنائية حرام إذا اقترنت بشيءٍ من المعاصي والمحرمات، أو اتخذت وسيلة للحرام، وإنّما وقع الخلاف بينهم إذا لم تقترن بأحد المعاصي والمحرمات، فذهب الإمام الشافعي والغزالي والنابلسي والشيخ شلتوت ـ في رسالته الفتاوى ـ إلى عدم حرمته، كما ذهب إليه من الإمامية الفيض الكاشاني والمحقق السبزواري، وذهب الإمام أبو حنيفة ومالك وأحمد ابن حنبل وابن الجوزي والجزيري ـ صاحب الفقه على المذاهب الأربعة ـ إلى حرمته.
وقد تحققنا في محل هذا البحث بعدم التنافي بين هذين النظرين؛ لأن مراد القائلين بحرمتها في حد نفسه هو الغناء بالمعنى الشرعي الذي جعل موضوعاً للحكم الشرعي، وهو مركب من الصوت على النحو اللهوي. هذا إذا كان من مقولة الكيف المسموع العارض على الصوت، أو كونه مشتملا على الكلام الباطل إذا كان الغناء من مقولة الكلام.
وأما مراد القائلين بعدم حرمته في نفسه هو: الغناء بالمعنى اللغوي الذي لم يجعل موضوعاً للحكم الشرعي حسب تحقيقي في هذه المسألة، وهو بسيط غير مركبٍ، وهذا المعنى أعم من المعنى الأول، لشموله لكل صوت حسن، ورد الأمر في بعض الأحاديث بالتغني بالقرآن الذي هو:عبارة عن تحسين الصوت الذي لا يمكن تحققه بدون ترجعيه. وكيف كان، فعلل اختلاف علماء المسلمين في المسائل النظرية الفرعية عبارة عما يلي:
1 ـ الاختلاف في بعض المصادر والأدلة الاجتهادية، إذ لم يتفق رأي جميع المذاهب على اعتبار كلّ المصادر والأدلة، بل وقع الخلاف بينهم في بعضها ، ومن المناسب أنّ أذكر هنا نماذجاً لذلك: