ـ(118)ـ
الاجتهاد بين التخطئة والتصويب:
يرى جمهور من العلماء: أنّ حكم الاختلاف في المسائل الفقهية هو إصابة الحق بغالب الظن؛ لأن الأحكام المجتهد فيها تحتمل الخطأ، كما تحتمل الصواب، ولا سبيل إلى القطع بكون جميعها صواباً؛ لأنها أحكام ظنية.
وقد وقع في هذا الموضوع اختلاف كبير، واختلف النقل عنهم فيه. وكذلك نشأ الخلاف فيما بينهم في أنّه: (هل لله في كلّ حادثة ونازلة حكم معين قبل اجتهاد المجتهد أم لا ؟ وهل أنّ المجتهد مصيب دائماً، أو أنّ اجتهاده يحتمل الخطأ؟). والأقوال في التخطئة والتصويب ثلاثة:
رأى المخطئة: قالت: (إنّ لله ـ سبحانه وتعالى ـ حكماً معيناً في كلّ حادثة ونازلة يتجه إليها المجتهد، فمن أدركه كان مصيباً،ومن لم يدركه كان مخطئاً لا إثم عليه، ويكون الحق واحداً، وهذا منسوب إلى الأئمة الأربعة) (1).
قال صاحب فوائد الأصول: (إنّ الأحكام الواقعية المجعولة من قبل الشارع لما كانت مستوعبة لجميع أفعال المكلفين وكانت الطرق والأمارات والأصول المحرزة المجعولة من قبله لا وظيفة لها إلاّ تنجز متعلقها أو التماس المعذرية لمن قامت عنده كان قيام الأمارة وغيرها كعدمه، لا يبدل في الواقع ولا يغير، والواقع يبقى على حاله، فإن أصابه المجتهد كان مصيباً، و إلاّ فهو مخطئ معذور)(2)، وأن المصيب في اجتهاده واحد من المجتهدين، وغيره المخالف لـه مخطئ؛ لأن الحق لا يتعدد.
___________________________________
1 ـ شرح البدخشي 2: 202، ومختصر ابن الحاجب مع شرحه 2: 294، والتحرير لابن الهمام مع التيسير لمحمد أمين 4: 202، وروضة الناظر شرحها: 414، وشرح الأسنوي مع البدخشي 2: 202، وعقد الجيد للدهلوي: 34، وكشف الأسرار شرح المنار مع قمر الأقمار على نور الأنوار 2: 170، والموافقات للشاطبي مع تعليق الشيخ دراز 4: 124.
2ـ فوائد الأصول للكاظمي 1: 142، والأصول العامة للفقه المقارن: 623، ونهاية الأصول: 346، المبحث الثاني.