ـ(116)ـ
وحينئذٍ يُصبح المجتهد جريئاً في اجتهاده وغير هيابٍ كي يستنهض الهمم لإعداد العدة الوافرة للبحث الدائب والعمل المتواصل. والاجتهاد ممكن كلّ الإمكان، ولا صعوبة فيه بشرط أنّ ترفع كلّ الأوهام والخيالات، ويزال ذلك الرين المعشعش في عقولنا وقلوبنا من رواسب الماضي وآفات الخمول والظن والإثم، بعد إمكان الوصول إلى ما وصل إليه الأولون.
قال ابن عبد السلام المالكي: (إنّ رتبة الاجتهاد مقدور على تحصيلها، وهي شرط في الفتوى والقضاء، وهي موجودة إلى الزمان الذي أخبر عنه صلى الله عليه وآله بانقطاع العلم ولم نصل إليه لحد الآن، و إلاّ كانت الأمة مجتمعة على الخطأ، وذلك باطل) (1).
وقال السيوطي معلقاً على هذه العبارة: (فانظر كيف صرح بأن رتبة الاجتهاد غير متعذرة، وأنها باقية إلى زمانه، وبأنه يلزم من فقدها اجتماع الأمة على الباطل، وهو محال) (2).
ولا نريد أنّ نبحث الآن في الاستدلال لهذا الموقف أو ذاك بقدر ما نعرف من هدفنا، وهو: تبيان الوجه الفقهي العريق في المذاهب الإسلاميّة؛ لأن الشريعة الإسلاميّة إنّما أعطيت في المجموع الكلي، فإن النصوص القطعية التي لا اختلاف فيها قليلة جداً بالنسبة إلى النصوص الظنية والمجملة. فلا بد من البحث في معاني النصوص غير القطعية، هذا يفرض الحاجة إلى الجهد العلمي في دراستها ومقارنتها، وقد تزداد الحاجة هذه كلما ابتعد الشخص عن زمن صدور النص، وهذا الفاصل الزمني يحمل في طياته الكثير من المضاعفات: كضياع بعض النصوص، ونسيانها، ودخول الموضوع بينها كما يقول الفقيه الحنفي ابن عابدين: (كثير من الأحكام يختلف باختلاف الزمان؛ لتغير عرف أهله، أو لحدوث ضرر، أو لفساد أهل الزمان، بحيث لو
________________________________
1 ـ شرح مختصر ابن الحاجب في باب القضاء.
2 ـ الرد على من أخلد إلى الأرض: 24.