ـ(113)ـ
فيقول الإمام الشوكاني: (إنّ سكوت العلماء عن إنكار هذه البدعة إنّما هو سكوت تقية لا سكوت موافقة مرضية، ولكنهم مع سكوتهم عن التظاهر بذلك لا يتركون بيان الحكم صراحة أو تلويحاً، وكثير منهم يكتم ما يصرح به من تحريم التقليد إلى ما بعد موته) (1).
ولكن ـ للأسف ـ نرى أنّ أتباع بعض المذاهب يستخدمون وسائل الهدم للنيل من المذهب الآخر وأتباعه، وقامت بينهم المناظرات (حتّى أفتى بعض الأحناف بأنه: لا يجوز للحنفي أنّ يتزوج بالشافعية، أو بنت الشافعي؛ لأن إيمانها مشكوك فيه... ورأى شافعي حنفياً يصلي ويحرك أصابعه في التشهد فلواها حتّى كسرها) (2).
ويحدث الإمام الطوفي الحنبلي عن بعض المظاهر أثناء شرحه لحديث "لا ضرر ولا ضرار" فيقول: (بلغنا أنّ أهل جيلان من الحنابلة إذا دخل عليهم حنفي قتلوه) (3).
وقال الإمام الشوكاني: (إنّ حدوث التمذهب بمذهب الأئمة الأربعة إنّما كان بعد انقراض الأئمة الأربعة، وإنّما أحدثها العوام المقلدة من دون أنّ يأذن بها إمام من الأئمة المجتهدين، وكأن هذه الشريعة التي بين أظهرنا من كتاب الله وسنة رسولـه صلى الله عليه وآله قد صارت منسوخة، والناسخ لها ما ابتدعوه من التقليد في دين الله) (4). وهذا واضح لمن أعطى النظر حقه في تاريخ فقه الإسلام ومبدئه.
نعم، لقد حصل في بعض الأزمنة أنّ بنيت مدارس لحصر المذاهب الإسلاميّة في أربعة، مما صرف أنظار طلاب العلم لغير تلك المذاهب، وأمات فيهم ملكة الاجتهاد، بل وصل الأمر إلى حد أنّ المستعصم ـ آخر ملوك بني العباس ـ أمر أساتذة المدرسة المستنصرية ببغداد أنّ لا يتعدوا حدود كلام السابقين، ويمتنعوا عن ذكر شيءٍ من
_____________________________________________________
1 ـ إيقاظ الوسنان في العمل بالسنة والقرآن: 67.
2 ـ ما لا يحوز فيه الخلاف: 90 ـ 132.
3 ـ الملحق برسالة عن الطوفي والتشريع للدكتور مصطفى زيد: 36.
4 ـ رسالة القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد لمحمد علي الشوكاني: 17.