ـ(112)ـ
الاجتهاد، فقد كانوا بحراً فياضاً في علمهم بالتفسير والحديث.
ولكن، لا تزال آثار جناية بعض الماضين على عقولهم حتّى الآن حينما أطلقوا عبارات اليأس وعدم الثقة وفقدان الأمل التي أملاها عليهم انبهارهم وإعجابهم بأئمتهم حين قالوا: (إنّ الله لن يجود على الزمان بمثل فلان..) (1). وحكموا على الله بالعجز قهراً بأن لا يخلق مثل: فلان وفلان، كما قال ابن القيم الجوزية، والإمام الشوكاني عندما وصفوا حال المقلدين: (إنّ همهم نيل الرئاسة الدنيوية، وهم لهذا يلبسون الثياب الرقيقة، ويديرون على رؤوسهم العمائم كالروابي يلفتون بذلك نظر أهل السلطان، ويجمعون حولهم الناس، فإذا تكلم عالم من علماء الاجتهاد بشيءٍ يخالف ما يعتقدونه قاموا عليه قومة جاهلية) (2).
وقال السيد جمال الدين الأفغاني: (ما معنى باب الاجتهاد مسدود ؟ وبأي نص سد باب الاجتهاد ؟ أو أي إمام قال: لا ينبغي لأحد من المسلمين بعدي أنّ يجتهد ليتفقه في الدين، أو أنّ يهتدي بهدي القرآن وصحيح الحديث ؟). وقال أيضاً (لا أرتاب في أنّه لو فسح من أجل أبي حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل وعاشوا إلى اليوم لظلوا مجتهدين ومجدين، يستنبطون لكل قضية حكماً من القرآن والحديث، وكلما ازداد تعمقهم وتمعنهم ازدادوا فهماً دقيقا) (3).
التقليد والمذاهب الأربعة:
قال كثير من علماء هذه الأمة ومن قديم: (إنّ تقليد المذاهب الأربعة كان أهون الشرين لإنقاذ الأمة من الشتات والضياع من ناحية الأحكام الشرعية ومعرفتها، فإن هذا لا يعني: أنّ هذا التقليد كان هو الخير الذي تبتغيه الأمة ويرضاه الدين، بل أنّ هذا التقليد بمثابة إنقاذ ما يمكن إنقاذه).
___________________________________________
1 ـ الفكر القانوني الإسلامي للأستاذ فتحي عثمان: 360.
2 ـ الاجتهاد ومدى حاجتنا إليه في هذا العصر للدكتور موسى توانا: 308.
3 ـ خاطرات جمال الدين الأفغاني لمحمد باشا الخوارزمي: 177.