ـ(110)ـ
في عقول الناس فيفسد عليها منافذ التفكير في نقدها ما يقارب القرن) (1).
وقد كان لموقف ابن إدريس ـ رحمه الله، وهو من أكابر علماء الإمامية ـ فضله الكبير في إعادة الثقة إلى النفوس، وفسح المجال أمامها لتقويم هذه الكتب ونقدها والنظر في قواعدها.
ويذكر السيد محمّد تقي الحكيم سبباً آخراً، وهو: أنّ سياسة تلكم العصور كانت تخشى من العلماء ذوي الأصالة في الرأي والاستقامة في السلوك ـ وهم لا يهادنون على ظلم ولا يصبرون على مفارقة ـ فأرادت قطع الطريق على تكوين أمثالهم بإماتة الحركة الفكرية من أساسها، وذلك بسدها لأهم المنابع الأصلية وهو الاجتهاد.
وما أحسن ما ذكره الأستاذ المراغي ـ وهو ينعى على دعاة الجمود موقفهم من حرية الفكر ـ حيث يقول: (ليس مما يلائم سمعة المعاهد الدينية في مصر أنّ يقال عنها: إنّ ما يدرس فيها من علوم اللغة والمنطق والكلام والأصول لا يكفي لفهم خطاب العرب، ولا لمعرفة الأدلة وشروطها، وإذا صح هذا فيالضيعة الأعمار والأموال التي تنفق في سبيلها !). ثم يقول: (وإني ـ مع احترامي لرأي القائلين باستحالة الاجتهاد ـ أخالفهم في رأيهم، وأقول إنّ في علماء المعاهد الدينية في مصر من توافرت فيه شروط الاجتهاد وحرم عليه التقليد) (2).
كلّ هذه العوامل يمكن أنّ تذوب إذا لا حظنا ضرورة الاجتهاد المستمر، وانضباط القواعد الاجتهادية حتّى تعود متقاربة، وهذا ما نجده بوضوح في "الاستحسان"، واتساع الحياة والتعقيدات للوقائع المطروحة، وتزايد خبرات المجتهدين المتراكمة عبر الزمن، والتنقيب.فالاجتهاد هنا يتحول إلى عمليتين متعاقبتين كما يذكر الشيخ التسخيري نقلاً عن اقتصادنا:
__________________________________________
1 ـ مقدمة كتاب فرائد الأصول لمحمد الشهابي: 217.
2 ـ رسالة الإسلام 3: 350، مقالة للشيخ المراغي.