ـ(108)ـ
وقالوا: نأخذ منهم، ونرد عليهم، وقال الإمام مالك: (كلّ ما يؤخذ ويرد عليه إلاّ صاحب هذا القبر) (1)، يعني: رسول الله صلى الله عليه وآله فليس لنا أبداً أنّ ننزل كلام فقهاء ـ في مسائل فرعية لا سند لهم فيها إلاّ اجتهادهم ـ منزلة فوق كلام الصحابي وفتواه، أو نرفع شأنيتها ووضعها في مصاف كتاب الله وسنة رسوله، بل وأكثر !!
وليس معنى دعوتنا للتحرك وفتح باب الاجتهاد أنّ نلغي كلّ ما قاله السابقون ونهدم البيت ونبيع أنقاضه، بل المطلوب أنّ نتحرك ونفتح عقولنا، وننظر إلى ما قيل من آراء اجتهادية لأناس لهم وجهة نظرٍ فيما قالوه، وتقديم الحل الأنجع للحياة الإنسانية، والأجوبة المحكمة للأسئلة الحادثة المتجددة، وقطع الطريق عن المتطفلين ـ على عملية إبداء الرأي الاجتهادي في الأحكام ـ ممن امتكلوا أبواق الدعاية وكراسي السلطة، وراحوا يفتون هنا وهناك وهم لا يملكون أي تخصص في ذلك، ولا أية حجة دامغةٍ لدحض ما يقابلها من خطأ.
فالاجتهاد: هو المجال التقريبي المنطقي بين المسالك المتنوعة والمذاهب والمناحي المتناهية، وهو الضمان لوجود مجموعة طليعية همها الحفاظ على الإسلام الأصيل من عبث المنافقين وذوي الفكر الخليط. وليس الاجتهاد أمراً ثانوياً إنّ أردناه أجزناه وإن لم نرده حرمناه، بل هو أمر ضروري للأمة الإسلاميّة، وقد أغلقت أبوابه على يد بعض السلطات على جميع المكلفين، وحصر الرجوع إلى خصوص المذاهب الأربعة كما يذكر السيد محمّد تقي الحكيم(2).
أما ما دعا إلى إغلاق بابه من عوامل وأسباب عديدة فقد أرجع الأستاذ عبد الوهاب خلاف ذلك إلى عوامل أربعة، نشير إلى أهمها:
1 ـ (انقسام الدولة الإسلاميّة إلى عدة مماليك، وتناحر ملوكها ووزرائها على
____________________________________________
1 ـ عقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد: 6.
2 ـ الأصول العامة للفقه المقارن: 599.