ـ(61)ـ
وبتعبير آخر : ليس هناك علم بالإلزام العقلائي بالرجوع إلى الأعلم مع كون الطرف الآخر حائزاً للشروط المطلوبة(1). ونحن نتحدث في مجال تشريعي علم فيه أن الاجتهاد هو: طريق شرعي مقبول، وهو متوفر في كليهما حسب الفرض، فلا معنى لتشبيه المورد بمجالات التردد الفردي بين المتخصصين في الأمور الخطيرة كما نراه عادة في كتابات العلماء، على أننا لا نعلم بالإمضاء الشرعي، وخصوصاً إذا لاحظنا هذه السيرة المتشرعية العامة في الرجوع إلى الصحابة أيامنهم، أو الرجوع إلى العلماء من أتباع الأئمة دونما نكير، ودونما منع معتبر من مثل هذه الظاهرة المتسعة في عرض الزمان وطوله، بل كان الأئمة يرجعون إلى العلماء دونما اشتراط للأعلمية(2)، على أن مسألة العسر تبدو صحتها يوماً بعد يوم، خصوصاً مع افتراض سعة المساحة الإسلاميّة، وتكاثر العلماء إلى حد كبير، والإسلام ينظر للأمور بنظرته العامة الشاملة، وذلك يتضح بالخصوص إذا لاحظنا التصوير الذي نقلناه عن صاحب العروة عن الأعلمية. ومن المناسب أن ننقل ما ذكره العلامة الكبير النجفي في هذا الصدد، إذ يقول:
_____________________________________________
1 ـ يطرح الإمام الخميني ـ كما في(تهذيب الأصول) 2: 550 ـ هذه الفكرة فيقول:(ثم إنه ينبغي البحث عن بناء العقلاء في تقديم رأي الأعلم بالمخالفة إجمالاً أو تفصيلاً هل على نحو اللزوم أو من باب حسن الاحتياط؟) لا يبعد الثاني؛ لكون الرأيين واجدين للملاك وشرائط الحجية والأمارية، ولكنه يعود فيناقش ما طرحه باعتبار أن أمر الشرع عظيم لا يتسامح فيه.
2 ـ وتشهد لذلك روايات كثيرة يرجع فيها الإمام (عليه السلام) إلى محمد بن مسلم الثقفي، وأبي بصير، ويونس بن عبد الرحمن، ومعاذ بن مسلم وأمثالهم دونما ملاحظة لهذا الشرط، ولا معنى للقول: بأن الإمام كان يعلم أنهم لا يختلفون في الفتوى، بل يمكن ادعاء اليقين باختلافهم جرياً على طبيعة الحال، وكمثال لذلك ننقل عن معجم الرجال للسيد الخوئي ـ رحمه الله ـ 1: 96 نقلاً عن المرحوم الكشي في باب فضل الرواية والحديث، الرواية التالية:
"عن جعفر بن وهب قال: حدثني أحمد بن حاتم عن ماهوية قال: كتبت إليه ـ يعني: أبا الحسن الثالث (عليه السلام) أسال عمن آخذ معالم ديني ؟ وكتب أخوه أيضاً بذلك، فكتب إليهما: فهمت ما ذكرتما، فاعتمدا في دينكما على كبير في حبنا، وكل كثير التقدم في أمرنا، فإنهم كافو كما إن شاء الله تعالى".