ـ(60)ـ
لا نعلم أن الرجوع كان في هذه الصورة لتكون الروايات نصاً في ذلك، فلا يبقى إلاّ الإطلاق، والإطلاق لا يشمل المتعارضين؛ لأن شموله لهما يستلزم الجمع بين الضدين أو النقيضين، ولا مجال للقول بالتخيير باعتبار أن رفع اليد عن إطلاق الدليلين المتعارضين أولى من رفع اليد عن أصليهما؛ وذلك: أن الدليلين هنا ـ كما يقول السيد الخوئي رحمه الله ـ: ليس لهما نص وظاهر، بل دلالتهما بالظهور والإطلاق، فلا مناص من الحكم بتساقطهما بعد أن لم يمكن الجمع العرفي بينهما، وقد نوقشت الأدلة الباقية بإنكارها.
وقد استدل الوجوب الرجوع إلى الأعلم بأدلة:
الدليل الأول: أن مشروعية التقليد إنما تم إثباتها بالكتاب والسنة أو بالسيرة.
أما المطلقات الشرعية فهي لا تشمل المتعارضين وهو موردنا، إذا نتحدث في حالة ما إذا علمنا بالتنافي بين فتوى العالم وفتوى الأعلم.
وأما السيرة العقلائية فهي تجري على الرجوع للأعلم عند العلم بالمخالفة وهي ممضاة، وإذا سقطت فتوى غير الأعلم عن الحجية تعين الرجوع إلى الأعلم بعد أن علمنا بعدم وجوب الاحتياط؛ لأنه غير ميسور. وقد اعتمد المرحوم السيد الخوئي هذا الوجه لوحده على الظاهر(1).
وربما يناقش في هذا الاستدلال بما سنذكره عند طرح مسألة التبعيض من: أنه يمكن تصور شمول الإطلاق للفتويين المتعارضين، على أننا لا نعلم بوجود سيرة عقلائية ممضاة في هذا المجال بعد أن وجدنا العقلاء يرجعون إلى المتخصصين،(خصوصاً المتقاربين منهم) مع علمهم إجمالاً بوجود تخالف بينهم وبين من هم أشد منهم تخصصاً باعتبارات منها: موضوع التسهيل من جهةٍ، والاحتمال العقلائي بمطابقة الواقع وإن كانوا يرجحون ذلك.
________________________________________________
1 ـ التنقيح، كتاب الاجتهاد والتقليد تقريرات الغروي: 142.