ـ(236)ـ
وقال القرطبي أيضا عندما ينقل آراء العلماء:( هي الخلقة التي خلق عليها المولود في المعرفة بربه، فكأنه قال: كل مولود على خلقة يعرف بها ربه إذا بلغ مبلغ المعرفة، يريد: خلقة مخالفة لخلقة البهائم التي لا تصل بخلقتها إلى معرفته، واحتج هؤلاء بقوله تعالى:(الحمد لله فاطر السموات والأرض) يعني: خالقهن، وبقوله تعالى:(ومالي لا أعبد الذي فطرني) يعني: خلقني. وبقوله تعالى:(الذي فطرهن) يعني خلقهن، فقالوا: الفطرة: الخلقة، والفاطر: الخالق، وأنكروا أن يكون المولود يفطر على كفر أو إيمان أو معرفة أو إنكار. قالوا: وإنما المولد على إسلامه في الأغلب خلقة وطبعاً وبنية ليس معها إيمان ولا كفر ولا إنكار ولا معرفة، ثم يعتقدون الكفر والإيمان بعد البلوغ إذا ميزوا...)(1).
وقال بعض المفسرين:( ليس المراد بقوله تعالى:(فطر الناس عليها) وقوله ـ صلى الله عليه وآله ـ:( كل مولود يولد على الفطرة) العموم، بل المراد بالناس: المؤمنون، إذ لو فطر الجميع على الإسلام لما كفر أحد، وقد ثبت أنه خلق أقواماً للنار...)(2).
وعلى هذا، فكيف يكفر الناس بالخالق الرحيم رغم أنه فطرهم على ما فيه سعادتهم وخيرهم، وهو: التوحيد ؟
وعند الرجوع إلى شروح الأحاديث يتبين: أن معظم العلماء يميلون إلى أن المراد بالفطرة هنا: الإسلام، أو التوحيد وعدم الشرك. وعلى هذا الأساس يكون الإسلام الذي فسرت به(الفطرة) إنما هو: التوحيد الفطري الغريزي الذي ابتدأ الله به الخلق، وليس المقصود به كل تعاليم الإسلام التي فهمها بعضهم وأورد على أساسها اعتراضاته، ولكن مما يقطع به إنما هو: الفطرة ـ الإسلام ـ كما تحدثت به الآية الكريمة(وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدتهم على أنفسهم الست بربكم قالوا بلى شهدنا...)(3).
______________________________________________________
1 ـ تفسير القرطبي 14: 25.
2 ـ مجلة المقتطف، نقلا عن التفسير الكبير للفخر الرازي، وتفسير الميزان للعلامة الطباطبائي.
3 ـ الأعراف: 172 ـ 173.