ـ(234)ـ
وينصرانه، ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء)(1).
فالأبوان لم يغيرا فطرة ولدهما، ولم ينزعاها منه؛ وذلك لأن الفطرة أمر ثابت لا يستطيع أحد أن يغيره أو أن يبدله، وإنما كان فعل الأبوين مقتصراً على توجيه ولدهما إلى الطريقة التي يريدان أن يشبعا ولدهما غريزة التدين عنده بعد أن كبر.
فاليهودي يزين لولده طريقة الإشباع التي يشبع بها اليهود هذه الغريزة. والنصراني يحبب لولده الطريق التي يشبع بها النصارى غريزة التدين عندهم. والمجوسي يوجه ولده إلى أن يشبع غريزة التدين عنده حسب إشباع المجوس لها. وهكذا كل ملة تزين لأبنائها طريقة الإشباع الخاصة بها حسب معتقدها.
وعلى هذا الأساس: فإن كل آية أو كل حديث يدل على وجود انحراف في الفطرة عند الإنسان فلا يعني ذلك أن الانحراف قد حصل بسبب تغيير الفطرة عنده؛ ذلك لان الفطرة أمر ثابت لا يتغير(فطرة الله التي فطر الناس عليها..) وإنما يكون الانحراف قد حصل بسب الإشباع الخاطئ أو الإشباع الشاذّ ـ الإشباع المحرم ـ الذي أشبع الإنسان غريزة التديّن لديه.
وأنّ كلّ توجيهٍ قد ورد في آيةٍ أو في حديثٍ ويطلب فيه الاستقامة على الفطرة فإنّما يعني: الاستقامة على الإشباع الصحيح لهذه الفطرة، ولم يرد أي دليلٍ على أن الإنسان مسؤول أو محاسب على وجود الفطرة، أو الغريزة، أو الحاجة العضوية التي عنده؛ وذلك لأن وجود الأمور الفطرية عند الإنسان إنما يقع في الدائرة القسرية والتي فرضت على الإنسان فرضاً. والإنسان لا يستطيع إلاّ أن يخضع لهذه الدائرة القسرية التي فرضت عليه، ومن ثم فإنه غير محاسب ولا مسؤول عن وجود الأمور الفطرية عنده، وإنما الأدلة كلها تنصب على طريقة إشباع الإنسان لهذه الأمور الفطرية؛ وذلك لأن طريقة الإشباع للحاجات العضوية والغرائز إنما تقع في الدائرة الإرادية التي
____________________________
1 ـ صحيح مسلم 7: 204.