ـ(225)ـ
يتحقق الغرض المقصود من كف أذاه عن المسلمين، إذ هو إنما ينتقل من وسط إسلامي إلى وسط إسلامي آخر.
ومن هنا قالوا: المراد بالنفي: معناه المجازي وهو السجن؛ لأن فيه عقوبته وكف أذاه، وهو يشبه النفي في أن كلا منهما إبعاد عن المجتمع، وإقصاء للمجرم عنه، والعرب تستعمل النفي بمعنى السجن.
قال بعض الشعراء يذكر حاله في السجن:
خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها فلسنا من الأموات فيها، ولا الأحيا
إذا جـاءنا الـسجـان يـوماً لـحـاجة عجبنا وقلنا: جاء هذا من الدنيا !!
2 ـ اختلفوا في فهم قوله تعالى (وثيابك فطهر)(1) هل يدل على وجوب إزالة النجاسة، أو لا دلالة له على ذلك ؟ وخلاصة الأمر في ذلك في أن العلماء متفقون على أن إزالة النجاسة مأمور بها شرعاً؛ لورود أدلة كثيرة غير هذه الآية تفيد ذلك، ولكنهم اختلفوا: هل ذلك الأمر الوارد في الأدلة على سبيل الوجوب، أو على سبيل الندب الذي يعبر عنه أحياناً بكونه(سنة مؤكدة)؟
فبالأول يقول جمهرة العلماء.
وبالثاني يقول مالك وأصحابه.
وقد وقعت المناقشة في هذا الفرع بين المختلفين، وكان من عناصرها هذه الآية(2). فمن حمل التعبير فيها على المعنى الحقيقي للتطهير والثياب المحسوسين رأى فيها دليلاً على وجوب إزالة النجاسة.
أما المالكية فيقولون: إن هذا تعبير على سبيل الكتابة يراد به تطهير القلب، فهو كما يقال:(فلان طاهر الذيل) كناية عن العفة، و:(فلان كثير الرماد) كناية عن
________________________
1 ـ المدثر: 4.
2 ـ المدثر: 4.