ـ(224)ـ
المجازي، مستعيناً كل منهما بما يدله على ما رأى، ويرجحه له. ومن أمثلة ذلك:
1 ـ انهم اختلفوا في المقصود من النفي في قوله تعالى: (إنما جزاؤ الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض)(1).
منهم من قال: المراد: المعنى الحقيقي للنفي، وهو: الإخراج من الأرض، وذلك أنه لم يجد في نظره مانعاً من إرادة الحقيقة، وهي الأصل الذي يصار إليه، ويترجح المراد من الألفاظ به حين لا تصرف عنه قرينة، جعل إخراج المفسد المحارب من الأرض التي ارتكب فيها جرائمه عقوبة من العقوبات، ورآها عقوبة جرت بمثلها عادة الشريعة. وورد الحديث مثل:(وتغريب عام) وأشار إليها القرآن في مثل قوله تعالى: (ولو أنا كتبنا عليهم أن أقتلوا أنفسكم أو أخرجوا من دياركم)(2) حيث سوى بين النفي والقتل ز ثم هي تشبه عقوبة الضرب في أنها عقوبة معتادة معروفة، فلا مانع إذن من حمل اللفظ على معناه الحقيقي وإرادة هذه العقوبة، وهذا ما قال به جمهور الفقهاء.
أما الحنفية: فقد رأوا أن هناك ما يصرف عن إرادة المعنى الحقيقي، واعتمدوا في ذلك على معنى عقلي، وذلك أن النفي: إن أريد به: الإخراج من الأرض ـ أي: من جميعها ـ لم يكن ذلك ممكناً إلاّ بالقتل، والقتل عقوبة تقدمت فلا يكرر ذكرها. وإن أريد به: الإخراج من أرض الإسلام إلى أرض الكفر فلا يصح؛ لأنه لا يجوز الزج بالمسلم إلى دار الكفر، وقد وجدنا الشريعة تنهى عن إقامة الحدود إذا ضرب المسلمون في أرض العدو، خوفاً من أن تلحق المحدود أنفة فيهرب إلى أرض الكفر ويفتن في دينه. وإن أريد بالأرض: أرض أخرى إسلامية غير التي ارتكب فيها جريمته لم
__________________
1 ـ المائدة: 33.
2 ـ النساء 66.