ـ(185)ـ
كان لا يرى في هذه الظروف عائقاً يحول دون الوحدة الجامعة لهذا العالم، فهو بامتداده شرقاً وغرباً، وبموقعه الجغرافي المتميز، وبما أفاء الله عليه من الخير المادي، وبتماسكه الروحي والمعنوي ـ على الرغم من تفرقه السياسي ـ يمثل كتلة متميزة تقف في مواجهة التكتل السياسي والفكري المعاصر برصيد لا نظير له من القيم والمبادئ.
ومن هنا، كثر حديث سيد قطب عن الكتلة الإسلاميّة، وأنها حقيقة ملموسة، وأنها وحدها هي صمام الأمن للبشرية قاطبة؛ لأنها تملك المنهج الصحيح لقيادة الحياة، وأن سواها من الكتلة الشرقية أو الغربية لا تملك هذا المنهج، بل يحكمها التصور المادي والصراع الطبقي، والتمييز العنصري، ومن ثم كانت كل الدعاوى التي تصدر عن قادة هاتين الكلمتين لا تعرف الصدق، وهي لون من ألوان النفاق السياسي والتضليل الفكري، وتخدير الضعفاء حتى يستسلموا للحياة المهانة والدنية والتخلف والعبودية.
إن اهتمام قطب بالحديث عن الكتلة الإسلاميّة هو لون من ألوان منهجه وأسلوبه في تحقيق الوحدة، فهذا الاهتمام يحيي في النفوس شعور العزة الإسلاميّة، ويوقظ في الضمائر معاني الأخوة الصادقة ومسؤولية التعاون على الخير والبر، وبذلك يصبح كل مسلم مهما يكن موقعه جندياً مدافعاً عن كيانه، يبذل من نفسه وماله لكي تكون هذه الكتلة ليست مجرد شعور روحي يربط بين المسلمين، وإنما تصبح إلى هذا قوة دولية لها تأثيرها الفاعل ودورها البارز في حماية السلام العالمي، والقضاء على كل ألوان الظلم والامتهان لكرامة الإنسان.
خامساً: وقطب الذي حارب منهاج المتكلمين والفلاسفة بما تحمل من غثاء فكري، والذي دعا الأمة إلى أن تتجاوز مرحلة الضعف في تاريخها بما تحمله من مفاهيم وآراء مزقت وبددت الطاقات، والذي أكد على شخصية الأمة الإسلاميّة، وبين أنها شخصية متميزة تصدع بالحق في دنيا الناس، ولا تعرف التنازع والتفرق، وإنما تعرف الوحدة والقوة، والذي أكد أيضاً على أن العالم الإسلامي يمثل كتلة دولية لها