ـ(184)ـ
تسترشد الأمة بالعصور الزاهرة في تأريخها، وألا تجتز ما انتهت إليه عصور الضعف والتخلف من المفاهيم والأحكام الباطلة. فهذه العصور ينبغي على الأمة ألا تقف عندها إلاّ لأخذ العظة فيها، بمعنى: أن تدرسها لتعرف الأسباب والعوامل التي دفعت بالأمة إلى أن تتخلى عن الصدارة والقيادة، وترضى بحياة الوهن والتقليد، حتى لا تتعرض مرة أخرى لهذه العوامل لتنهض من جديد تعيد تاريخها المشرق بالقوة والفضيلة والحضارة.
ثالثا: وكان من منهج قطب في جمع كلمة الأمة: العناية الخاصة ببيان ما تميزت به الأمة الإسلاميّة من وحدة العقيدة، ووحدة الغاية، ووحدة المنهج، ووحدة التصور لمهمة الإنسان في الحياة، ففي هذا البيان مقاومة لكل أسباب التمزق والتفرق، والصراع والتنازع الذي لا يرتد على الأمة إلاّ بالبوار، فضلاً عن أنه يحصن الأمة وينبهها إلى أن تفيء إلى قيمها الخالدة، وخصائصها الربانية السامية، فلا تعتصم بغيرها، ولا تضيع وقتها في هذا النظر إلى هنا وهناك، ولا تغتر بما يموه به عليها شياطين الإنس والجن من وسائل الضلال والانحلال، وبذلك تبقى لها أصالتها وقوتها، وكرامتها وعزتها(1).
وكان سيد قطب يوضح عواقب التنازع والاختلاف، ويؤكد أن الأمة التي يسود فيها الجدل بغير التي هي أحسن، والتي ينزغ الشيطان بين أبنائها، والتي تستبد بها نوازع العصبية والإقليمية، والتي يتصارع أفرادها لأتفه الأسباب، ويتقاتلون باللسان والسنان، تصبح لقمة سائغة لعدوها، وتفقد كل الخصائص التي من أجلها كانت خير أمة أخرجت للناس.
رابعاً: وإذا كانت ظروف العالم الإسلامي في منتصف القرن الثالث عشر الهجري قد قضت عليه بالخضوع للهيمنة الأجنبية وبالتخلف الحضاري فإن قطب
_____________________________________
1 ـ مجلة الشهاب العدد 24 في 10 جمادى الأولى 1394 هـ .