ـ(136)ـ
يراوده الشك في هذه الحقيقة، سوى بعض الخوارج، فقد نقل عن ابن فورك وبعض الحشوية جواز بعث من كان كافراً(1).
2 ـ العصمة في تبليغ الرسالة: ولم يشك أحد في هذه النقطة أيضاً؛ لأن المعجزة تدل على صدق النبي، وبناء على ذلك فإن تجويز الكذب مساو لبطلان المعجزة. ونقل عن أبي بكر الباقلاني ـ وحده ـ جواز الكذب في أداء الرسالة إذا كان غير متعمد، وقد كفره بعض مؤلفي الملل والنحل بعد الإدلاء بهذا الرأي الغريب(2).
3 ـ العصمة في العمل بالأحكام: وهي كون الأنبياء مصونين عن ارتكاب الذنب والمعصية، ويكمن الاختلاف في تعيين أطرها وزمانها، فالشيعة يرون: أن الأنبياء منزهون عن ارتكاب الذنوب، صغائرها وكبائرها طيلة حياتهم، سواء قبل البعثة أو بعدها، وهم لا يرتكبون الذنوب، لا عمداً ولا سهواً(3). وقد جوزت فرقة صغيرة ارتكاب كبائر الذنوب وصغائرها للأنبياء، سوى الكذب المتعمد أثناء الدعوة(4).
وممن قال بالجواز أيضاً هم: الحشوية، والكرامية، والباقلاني من الأشاعرة، إلاّ أن الأكثرية الساحقة من المعتزلة والأشاعرة يعتقدون أن الأنبياء معصومون عن الكبائر، ولكنهما يتفاوتان في الطريقة. فالمعتزلة يثبتون ذلك عن طريق العقل، إلاّ أن الأشاعرة ـ وكدأبهم ـ يستدلون على إثباته عن طريق السمع.
وأما فيما يتعلق بصغائر الذنوب: فأغلب المعتزلة ـ ومنهم: القاضي عبد الجبار ـ يذهبون إلى جواز صدور الذنب الصغير عنهم(5)، شريطة أن لا يكون باعثاً على
_______________________________________________________
1ـ الجرجاني، شرح المواقف 8: 264، والفاضل المقداد، إرشاد الطالبين: 303.
2 ـ ابن حزم الأندلسي، الفصل 4: 5
3 ـ السيد المرتضى، الذخيرة: 328، والاقتصاد الهادي: 161، والعلامة الحلي، كشف المراد: 349.
4 ـ الفخر الرازي، عصمة الأنبياء: 18، وابن حزم، الفصل 4: 5.
5 ـ القاضي عبد الجبار، المغني 15: 309.