ـ(126)ـ
استعمالها. وهذا ما جرت عليه الشريعة في موارد كثيرة كما في المضارة في الوصية(1)، والمضارة في المعاشرة الزوجية(2) وغيرها. وهذا ما أدركه ابن حزم ـ وهو من أشد المتحمسين للرأي الأول ولمبدأ الحق المطلق في التصرف بالملك ـ إذ قال:(لا يجوز لأحد أن يدخن على جاره لأنه أذى، وقد حرم أذى المسلم...)(3).
وإذن، أفلا يكون حفر البئر ـ مثلاً ـ قد يؤدي إلى هدم جدار دار الغير وهو نوع أذى كما لا يخفى ؟!
الثاني: إن قاعدة السلطنة: ـ أي: سلطنة المالك في التصرف بملكه ـ كما هو مفاد قاعدة(الناس مسلطون على أموالهم)، فهي محكومة(4) بلا ضرر، أي: أن كل ما يصدر من فعل أو نحوه من التصرفات فإن قاعدة( لا ضرر) ناظرة إليه، ومقيدة له بصورة عدم الضرر كما هو مقتضى لسان الحكومة(5).
أما ما احتج به ابن حزم الظاهري فلا يتضح له وجه، إذ لم يقل أحد بمنع المالك من التصرف في ملكه مراعاة لنفع غيره، وإنما ذهبوا إلى المنع فيما لو أضر بالغير، وهو ما يقتضيه نفي الضرر. ثم إن من يبني فرناً أو ينشئ مدبغة في داره يضر بالجار وبالدار ضرراً بالغاً(6).
وبالجملة: فيمكن القول: إنه في مثل هذه الموارد والحالات يلزم أن يلحظ الضرر الأكثر والأكبر عندما يتعارض ضرر المالك في عدم التصرف، وضرر الغير عند تصرفه؛ لأن الشرع ينظر إلى الجميع بمثابة واحد(7)، أو كنفس واحدة(8)، على أنه يمكن أن
__________________________________________________________________
1 ـ النساء 12 قوله تعالى: (من بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار).
2 ـ البقرة: 231 قوله تعالى: (ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا..).
3 ـ المحلى 8. 241.
4 ـ راجع قاعدتان للسبحاني: 97.
5 ـ فرائد الأصول للشيخ الأنصاري 2: 539.
6 ـ كشف المغطى للطاهر بن عاشور: 308.
7 ـ الرسائل للشيخ الأنصاري.
8 ـ الجامع لأحكام القرآن للقراطبي 16: 327، وراجع الموافقات للشاطبي 2: 354.