/ صفحه 99/
إلى غيرذلك مما يدل على استهانته بالنبوات، وإنكاره للحشر، واعتراضه على صنيع الله ـ تعالى علوا كبيرا ـ في الأكوان.
وذكر ياقوت أن القاضي أبايوسف عبدالسلام القزويني حدّث فقال: قال لي المعرى: لم أهج أحدا قط، فقلت له: صدقت، إلا الأنبياء(عليهم السلام)، فتغير وجهه.
هذا لا يقوله الناقمون على أبي العلاء، في حين يحدث بعض القضاة

ــــــــــ
(1) ص 142.
(2) المحال بالكسر. المسكر.

المعاصرين لأبي العلاء بقصص تدل ـ كما قالوا ـ على صحة دينه، وقوة يقينه.
وللعلامة كمال الدين بن العديم رسالة نسمى (رفع التّجرى عن المعرى) ذكر فيها محاسنه، وفضائله، وحفظه الخارق للعادة، وقال فيها: إن سائر ما في ديوانه من الأشعار الموهمة فهي إما مكذوبة عليه أو هي مؤولة، وجعل المعرى من أصحاب الكرامات، وخوارق العادات.

ويؤيد قول ابن العديم ما ذكره ياقوت نفسه من أن المعرى كان يرمى من أهل الحسد له بالتعطيل وتعمل تلامذته وغيرهم على لسانه الأشعار يضمنونها أقاويل الملحدة قصد الهلاكة وإيثارا لاتلاف نفسه))
وبعبر أبوالعلاء عن هذا المعنى:
حاول أهوانىَ قوم فما * * * واجهتهم إلا بأهوان
وقوّلونى بمقالاتهم * * * فغيروا نية إخوانى
لو استطاعوا لو شَوْابى الى الْـ * * * مرّيخ في الشُّهْب وكيوان
لكل هذه الأمور تفرقت آراء النّاس في أبي العلاء فرماه قوم بكفر أصلع وجعله قوم في عداد الأبرار، وقال آخرون إنه شاعر قلق لا يكاد يثبت على رأى.
والذي عندي أن بعض الشعر الذي يدل على سوء الاعتقاد واضح بالنسبة لأبي العلاء وفيه ـ على قدر ما أدرك من طريقة الرجل ـ ملامح علانية، كهذه الأبيات التي قدمتها، والتي مطلعها (وهيهات، البرية في ضلال). فلاشك عندي أن أبا العلاء قال شيئا مما يؤخذ، ولعل ذلك كان أولا، ثم استقر أمره على الاستقامة وعمق الايمان بالله، ويبدو أن الرجل كان غير مكترث، فكان يقول كل ما يخطر له، وكثير من المعاني التي دونها، وعيتْ عليه تعرض لكثير من المفكرين فمنهم من يردها عن نفسه، ومنهم من يستجيب لها فيظهرها، وكان أبوالعلاء من هذا النوع الأخير، لاتكاد تخطر له البادرة حتى تجرى على لسانه، ويتلقفها تلامذته، ويذيعونها، ولم تُسمح من دواوينه ـ وإن كان هو الذي أملاها ـ لأنها ذهبت في أفواه النّاس فيستطيع كل من كانت عنده نسخة من اللزوميات أن يضيف إليها مما في حفظه، وبذلك وصلتنا هذه الأشعار وبهذا الفهم في حال أبي اعلاء يمكن بسهولة تعليل التناقض الذي نراه في آثار أبي العلاء.