/ صفحه 76/
سادسها: إن أعراب هذه الأفتتاحات يسند هذا الرأي ويقوّيه فقد ذهبوا مثلا في إعراب قوله تعالى (الم ذلك الكتاب لا ريب فيه) الى إن (الم) مبتدأ و(ذلك) مبتدأ ثان و (الكتاب) بدل ولا ريب فيه خبر.
أو أن (الم) مبتدأ) و (ذلك) خبر، و(الكتاب) بدل أو عطف بيان أو أن (الم) مبتدأ وذلك، خبر مبتدأ محذوف تقديره هو أي المؤلف من هذه الأحرف هو ذلك الكتاب لا ريب فيه.
أما الرأي الثاني فقد ذكره قطرب وغيره من أئمة اللغة وهو أن العرب كانوا ينفرون عند استماع القرآن حين يتلوه النبي(صلى الله عليه وسلم) وكأنوا يقولون (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون) ودنوا يتواصون بالأعراض عنه.
فأرادالله تعالى أن يورد عليهم مالا يعرفون ليكون سببا لاسكاتهم واستماعهم لما يرد عليهم بعد ذلك.
فأنزل الله هذه الأحرف في مفتتح السور فكانو إذا سمعوها قالوا كالمتعجبين: اسمعوا إلى ما يجييء به محمد فإذا ما أصغوا هجم عليهم القرآن فكان ذلك من الله استدراجاً لهم حتى يقبلوا على القرآن ويستمعوا له فينتفعوا بمواعظه ويصلح حالهم بآياته. وهذا نوع من أساليب التربية وطرق المعالجة النفسية.
وإنما لم يستمعل القرآن الكلمات المشهورة في التنبيه عندهم نحو (الا وأماوها) لأنها من الألفاظ التي تعارفوها وألفوها في كلامهم والقرآن كلام لا يشبه الكلام فناسب أن يؤتى فيه بألفاظ تنبيه لم تعهد ليكون أبلغ في قرع الاسماع وجذب الانتباه.