/ صفحه 77/
والذي يقوى هذا الوجه ويسنده أمور.
أولا: إن هذا أسلوب من أساليبهم في استخدامهم حروفاً لا معنى لها ولا مقصد منها إلا التنبيه وقد جاء ذلك كثيراً في أحاديث النبي(صلى الله عليه وسلم) عندما يريد أن ينبه أذهان الصحابة إلا خطورة ما يرشدهم إليه وأهمية ما يدعوهم إلى أتباعه.
فقد روى البخاري في كتاب الشهادات عن أبي بكرة قال: قال(صلى الله عليه وسلم) (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا بلى يا رسول الله قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين. وجلس وكان متكئا فقال: ألا وقول الزور فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت.
وليس بعجيب أن يراعى القرآن عرف المخاطبين وما اصطلحوا عليه فإن هذه المراعاة الخطابية مساعد على التأثير وأجتذاب النفوس إلى الإقتناع والإذعان. وهذا وجه من بلاغة القرآن التي أفادت في تثبيت النبوة وبث الدعوة.
ثانياً: أن هذه السور كلها مكية إلا الزهراوين: البقرة وآل عمران على أن في موضوعهما ما يشبه الموضوعات المكية إذ كانت الدعوة فيهما موجهة إلى أهل الكتاب فلما كانت هذه السور مكية وأهل مكة أهل عناد وغفلة وإعراض ومعارضة وأكثر ما يستعمل هذا الأسلوب في مخاطبة الغافلين أو الجاهلين المعرضين جاءت هذه السور بتلك الأفتتاحات للتنبيه والأيقاظ.
أما الرأى الثالث: فهو رأى له وجاهته وهو يتمشى مع الموسيقا التي يتواخاها القرآن في أسلوبه ويقصد إليها في فواصله ولاسيما في العهد المكي منه ذلك الرأي هو.
إن كل سورة بدئت بحرف فإن أكثر كلماتهم وحروفها يشيع فيها ذلك الحروف الذي بدئت به السورة فحق لكل سورة أن لا يناسبها غير الحرف الوارد في مفتتحمها. فلو وضع (ق) موضع (ن) لعُدم التناسب الذي يبدو ظاهرا في القرآن الكريم.